بقلم: أ. د. ختام راهي الحسناوي
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير الأنام ابي القاسم محمد وعلى آله الهداة الاخيار.
أما بعد:
لقد بذل بعض العلماء – بسبب هذه التأثيرات المذهبية – جهوداً كبيرة في إبطال ما يُروى في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وتضعيفه مهما صحّح الحديث وكَثُرت رواته وطرقه وتواتر نقله، فإذا ما فشل السعي وأعيتهم المقاييس العلمية، فلهم عند ذلك أدلة ثلاثة يلجأوون إليها يأباها العلم، وهي[1]:
1- الاستشهاد بالقلب: ومثال ذلك ما فعله ابن كثير (ت774هـ/1372م) فبعد أن خصص عدة صفحات من تاريخه ملأها بطرق حديث الطير وأسانيده ورواته، وسرد أسماء نحو المائة ممن رواه عن أنس بن مالك[2] فحسب، قال بعد هذا كله: ((وبالجملة ففي القلب من صحة هذا الحديث نظر وإن كثرت طرقه))!![3].
2- اليمين الكاذبة: ومثال ذلك تعليق الذهبي (748هـ/1347م) على ما أخرجه الحاكم النيسابوري (ت405هـ/1014م) من فضيلة الإمام علي التي رواها جابر بن عبد الله الأنصاري[4] بقوله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو يقول: ((هذا أمير البررة، قاتل الفجرة، منصور مَنْ نصره، مخذول مَنْ خذله)) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه[5] [البخاري ومسلم]، فعلّق الذهبي: بل والله موضوع![6].
3- الحدّة في الكلام والسب والشتم: ومثال ذلك ما اخرجه الحاكم النيسابوري بالإسناد إلى الإمام علي عليه السلام في قوله تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}[7] قال الإمام علي: ((رسول الله المنذر، وأنا الهادي)) وأكد الحاكم النيسابوري أنه حديث صحيح الإسناد ولم يخرجه الشيخان[8] فعلق الذهبي: بل كذب! قبح الله واضعه[9].
وهذه المنهجية منهجية خطيرة حاصرت أحاديث الفضائل وحاولت إبطالها وإلغائها تبعاً للمتبنيات المذهبية، وميول المحدثين النفسية ((فما وافق تلك الرغبات والمتبنيات والاعتقادات يكون صحيحاً وما خالفها يكون مكذوباً ويُحكم عليه بالضعف وعدم الاعتبار))[10])[11].
الهوامش:
[1] الطباطبائي، أهل البيت في المكتبة العربية، ص409–410.
[2] ابن النضر الأنصاري خادم رسول الله صلى الله عليه وآله ، كان عند قدوم رسول اللهصلى الله عليه وآله إلى المدينة ابن عشر سنين، فتولى خدمة النبي صلى الله عليه وآله حتى وفاته صلى الله عليه وآله ، ثم شهد الفتوح وسكن البصرة ومات بها سنة 93هـ/711م.
ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/71–73؛ ابن حجر، الاصابة، 1/71–72.
[3] البداية والنهاية، 8/106–109. وتنظر أمثلة أخرى عند الذهبي، ميزان الاعتدال، 1/213.
ولتخريج حديث الطير لفظه وطرقه ومصادره ينظر: ابن عساكر، ترجمة الإمام علي، 2/105–134؛ الطباطبائي، أهل البيت في المكتبة العربية، ص391–409.
[4] السلمي، شهد العقبة الثانية، شهد بدراً وما بعدها، كان له حلقة في المسجد النبوي يؤخذ عنه العلم، وكان من المكثرين الحفاظ للسنن، توفي سنة 74هـ/693م أو 78هـ/697م وقيل 77هـ/696م وهو ابن أربع وتسعين سنة.
ابن عبد البر، الاستيعاب، 1/221؛ ابن حجر، الإصابة، 1/213.
[5] المستدرك، 3/341.
[6] تلخيص المستدرك، 3/341.
[7] سورة الرعد: الآية 7.
[8] المستدرك، 3/342، ولمن رواه من الصحابة، ومَنْ أخرجه من المصادر ينظر: الطباطبائي، أهل البيت في المكتبة العربية، ص412–413، الحاشية رقم (2).
[9] تلخيص المستدرك، 3/342.
[10] البلداوي، فضائل أهل البيت، ص266.
[11] لمزيد من الاطلاع ينظر: رواية فضائل الإمام علي عليه السلام والعوامل المؤثرة فيها (المراحل والتحديات)، الدكتورة ختام راهي الحسناوي، ص 151-153.