من ألفاظ البيع والشراء في نهج البلاغة: 15- الشّـِـرَاء

مقالات وبحوث

من ألفاظ البيع والشراء في نهج البلاغة: 15- الشّـِـرَاء

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 24-10-2022

بقلم: الدكتور سحر ناجي المشهدي

الحمد لله الأول قبل الإنشاء، والآخر بعد فناء الأشياء، أحمده استتمامًا لنعمته، واستعصاماً من معصيته، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على من اصطفى من الخلق أجمعين سيدنا ونبينا محمد وآل الطاهرين..

اما بعد:
فإنَّ الفعل (إشترى) الألف فيه منقلبة عن ياء لأنَّ الفعل المضارع (يَشْرِي) ثقل فيه إجتماع الياء مع فتح العين واللام؛ فقلبت الياء إلى الفا؛ لخفة الالف.
فـ(شرى) من الأضداد ومعناه: باع، واشْتَرَى بمعنى دفع الثمن وأخذ السِّلْعَة، ويُسَمَّى الفعلُ (شَرَى) ناقصا؛ لأنَّ لامَ الفعلِ حرفُ علةٍ، وقد ذكرُه الإمام (عليه السلام) عشر مرات، وهو على نوعين:
الشراء الحقيقي (المادي): أخذ السِّلْعَة ودفع الثَّمَن، وقد وردت هذه الصيغة الإسمية متصلة بضمير الغائبة مرة واحدة في كلام الإمام (عليه السلام).  وذلك في خطبته التي ذكر فيها أصحاب الجمل قائلا: « فَخَرَجُوا يَجُرُّونَ حُرْمَةَ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله)  كَمَا تُجَرُّ الاْمَةُ عِنْدَ شِرَائِهَا»[1].
شبَّه الإمام (عليه السلام) عائشة بالأمة ووجه الشبه بينهما تعاملهم معها من خضوع وذل ولامبالاة. الفعل (شّرَى): أصله شَرَي، لتحرك الياء بعد فتح قلبت الفا.
 شـ  ـَـ / رـَـ / ي ـَـ            تقلب الياء الفا   ش ـَـ / ر ـَـَ     إعلال بالقلب
إْشْتَـرى:  (إفْتَعَـل)  أصله إشْتَرَي لتحرك الياء بعد فتح قلبت الفا
اـِـ شـ / تـ ـَـ / رـَـ / ي ـَـ  تقلب الياء الفا    اـِـ شـ / تـ ـَـ / رـَـَـ         إعلال بالقلب.
أمَّا المصدر(شِراء)  فأصله (شِراي)  قلبت الياء همزة ؛ لوقوعها طرفاً بعد الألف الزائدة.
شـ ـِـ / رـَـَـ ي   قلب الياء همزة     شـ ـِـ / رـَـَـ ءإعلال بالقلب.  إنَّ الشِراء مع هذا المعنى تكون فيه السّلع مادية (حسية)  من الذين يرغبون في تملكها.
الشراء المجازي:  من ذلك قوله: « اشْتَرَى هذَا الْمُغْتَرُّ بِالاْمَلِ،  مِنْ هذَا الْمُزْعَجِ بِالاْجَلِ،  هذِهِ الدَّارَ بِالْخُرُوجِ مِنْ عِزِّ الْقَنَاعَةِ،  وَالدُّخُولِ فِي ذُلِّ الطَّلَبِ وَالضَّرَاعَةِ،  فَمَا أَدْرَكَ هذَا الْمُشْتَرِي فِيَما اشْتَرَى مِنْ دَرَك» [2]،  فموقف الإمام (عليه السلام)  هنا داعياً إلى الزّهد،  وجَسَّده في سيرته العملية،  فأوضح موقفه من الملكية إنسجاما مع الشريعة الاسلامية ؛ لِمَا في الملكية من نزاعٍ وعداءٍ في المجتمع  ويقول بهذا الصدد: «وَاللهِ لَوْ أُعْطِيتُ الاْقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاَكِهَا،  عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللهَ فِي نَمْلَة أَسْلُبُهَا جِلْبَ شَعِيرَة مَا فَعَلْتُهُ»[3]. وهذا النوع من الشراء جاءعلى صيغة إسم المفعول (الذي وقع عليه فعل الشراء)   ؛ إذ ورد اسم الفاعل من مادة (إشْتَرى)  على زنة (مُفْتَعِل)،  لكونه غير ثلاثيا وذلك في خطابه للتابعي القاضي شريح* (رحمه الله)  قائلاً: «فَمَا أَدْرَكَ هذَا الْمُشْتَرِي فِيَما اشْتَرَى مِنْ دَرَك»[4]،  فكلّ مَنْ بَنَى جِدارا من حرام،  او إكتسب دِرهما من غيرحلال،  أقام حجابا بينه وبين الله،  ثم يجيء الموت فيجرده من كل شيء،  فيسوقه عريانا إلى العرض على الله للحساب والجزاء تماما كما فعل من قبل ويفعل من بعد بالجبابرة والقياصرة[5].

3) الشِّراء المجازي (بمعنى الإستبدال):  جاء هذا المعنى على صيغة الفعل الماضي متصلاًبجماعة الغائبين،  مرة واحدة في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام)  وذلك في قوله لِأمراء الجُنْدِ: « أمَّا بعد،  فإنَّما أهلك من كان قبلكم أنَّهم منعوا الناس الحق فاشتروه،  وأخذوا الباطل فاقتدوه»[6].  أي انهم اشتروا الحق، فالحق لايُشْتَرى ولايُبَاع، الشَّاري هو البائع، وهو المُشتَري أيضا، فشَريتُ بمعنى بِعْتُ، وشَرَيْتُ بمعنى إشتَريتُ.  ويقول الأزهري: « وللعرب في شروا واشتروا مذهبان،  فالأكثر منهما أن يكون:  باعوا، واشتروا:  ابتاعوا،  وربما جعلوهما بمعنى باعوا»[7].

شرى يشري شرىً وشِراءً وهو شار.  اذا باع[8].
  قال ابن فارس: « الشين والراء والحرف المعتل أصول ثلاثة:  أحدها يدلُّ على تعارض من الإثنين في أمرين أخذا وإعطاءا...... فالأوّل قولهم:  شَريْتُ الشّيء واشْتَريْتُه إذا أخذته من صاحبه بثمنه»[9].
قال تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ}[10] فباعوه بِثَمَنٍ قليلٍ.
قال تعالى: {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا}[11]،  يبيعون الدُّنيا مقابل الأجر والثواب والجَنّة،  ويجوز فيه الشّراء والإشْتِرَاء، والشَاري:  البائع،  والشَاري:  المُشْتَري،  فشَريتٌ بمعنى بِعْتٌ،  وشَريت:  إشْتَريتُ)[12].

الهوامش:
[1] نهج البلاغة: خ 172، 178.
[2] نهج البلاغة: ك 3، 270.
[3] خ 224، 255. * شريح بن قيس بن الجهم الكندي قاضي الكوفة لستين سنة، وأسلم قبل وفاة الرسول بخمس سنوات، كان عازماً ان يزوره؛ لكنه انشغل حتى فاته ذلك وجاءه خبر وفاته، قال فيه الامام» هو أقضى العرب» وعاش 108 سنين، وتوفي عام (78 هـ). 
[4] ك 31، 270.
[5] نهج البلاغة: خ 172، 178.
[6] ك 4، 271.
[7] تهذيب اللغة: 11 / 40.
[8] ظ: العين (مادة شري): 6 / 282.
[9] مقاييس اللغة: 3 / 266.
[10] يوسف / 20.
[11] النساء / 74.
[12]لمزيد من الاطلاع ينظر: المعجم الاقتصادي في نهج البلاغة، للدكتورة سحر ناجي المشهدي، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 112-116.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2382 Seconds