بلاغة الدعاء في نهج البلاغة

مقالات وبحوث

بلاغة الدعاء في نهج البلاغة

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 15-11-2022

بقلم: الدكتور خليل خلف بشير

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.

وبعد:
  إذا كان القرآن الكريم هو معجزة النبوة فإن نهج البلاغة هي معجزة الإمامة فما من فقرة من فقرات النهج، وما من شذرة من شذراته إلا هي من غرس النبي العظيم المستمد من وحي السماء فما من موضوع يطرقه الإمام إلا وترى نور الخالق يشع أمامه وهدي الرسول يضئ له الطريق[1]، لذا يوضَع كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) بالمرتبة الثالثة من الإعجاز البلاغي بعد القرآن الكريم والحديث النبوي؛ لأنّ في كلامه مسحة من الكلام الإلهي، وفيه عبقة ونفحة من الكلام النبوي، وبلاغته فن وذوق ينسجمان مع كل عصر وزمن فقد تعدّتْ طريقته الطريقة الكلاسيكية، وقفزتْ على المراحل الزمنية حتى عدّ البلغاء أدبه متماشياً مع كل عصر، وقد امتاز بأسلوبه البلاغي الخاص وبطريقته في صنع العبارة والجملة فأصبح أدبه متفرداً ذا خصائص معينة لا يشابهه أحد من البلغاء، ولما كانتْ البلاغة -  كما يقول الدكتور محسن باقر الموسوي -  تطير بجناحين هما : العلم، والشجاعة، وقد امتلكهما أمير المؤمنين فبلاغته تكون بالمستوى المطلوب؛ لأنها بمستوى شخصيته العلمية فهي بلاغة مستمدة من علم يستقي معينه من علم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)،ومن كينونة جُبلتْ على الشجاعة والإقدام[2]، أما أسلوب نهج البلاغة فهو أسلوب مبتكر لم يسبق بأسلوب قبله إلا القرآن الكريم إذ إن أرضية الأفكار المطروحة في نهج البلاغة هي من ثمار الإبداع القرآني[3].
إنّ خصائص بلاغة الإمام علي (عليه السلام) موجودة ومطبوعة بأسلوبه وبيانه حتى في أدعيته، ولعل هذا رمز عظمة الإمام (عليه السلام) فقد حافظ على مستواه البلاغي في كل ما قاله وما كتبه في الخطابة أو الكلام أو الدعاء فأدعيته مصبوغة بصبغة بلاغية قلما نجدها في الأدعية الأخرى كما إنها مصبوغة أيضاً بصبغة روحانية قلما نجدها في الأدعية الأخرى فقد سكب الإمام من روحانيته أقصى ما يستطيع من التعابير الأدبية والفنية التي تظهر الخشوع والخضوع والتذلل لله سبحانه وتعالى[4].

إنّ بلاغة الإمام عليّ عليه السّلام تبلورت في النص الذي يخرج من رحم اللغة مثل الوليد الجديد، وهو ـ في الوقت نفسه ـ يخرج من عالم الأفكار مثل الفكرة الجديدة الباهرة، وتتجلى جمالية نهج البلاغة في ألفاظه  الفصيحة العذبة -  ومنها ألفاظ الدعاء -،وفي نظمه المحكم، ودلالته على المعنى فالألفاظ سهلة في جريانها على اللسان، خفيفة في وقعها على النفس، يألفها الذوق ولا يجد صعوبة في إدراكها، وكل كلمة تقع موقعها اللائق والمناسب لها، وعندما يطرق اللفظ السمع يخطر معناه في القلب بوساطة قوالب جميلة محببة إلى النفس كالتشبيه، والاستعارة، والكناية، وغيرها[5] إذ يتناول مسائله الفكرية المتداولة والمشتركة، وكأنها معطيات جديدة، ذلك لأن قدرته البلاغية مبتكرة فالنص يُولد متكاملاً، في تأديته الوظيفية الخاصة به)[6].

الهوامش:
[1]- ينظر : أعلام الهداية 2/ 226-227.
[2] - ينظر : علوم نهج البلاغة 365-369.
[3] - ينظر : في رحاب نهج البلاغة 55.
[4]-  ينظر : المدخل إلى علوم نهج البلاغة / د. محسن باقر الموسوي 127.
[5] - ينظر : علوم نهج البلاغة 369.
[6]لمزيد من الاطلاع ينظر: من النتاج الفكري لأمير المؤمنين عليه السلام تفسيره المغيب للقرآن الكريم وادعيته العلوية للدكتور خليل خلف بشير، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 125-127.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3431 Seconds