بقلم م. م. الشيخ محسن الخزاعي- جامعة الكوفة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين أساس الدين وعماد اليقين.
أما بعد:
قال تعالى: ﴿مَنَّ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾([1]).
لعلَّ السؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا عبر الله سبحانه وتعالى عن الإنفاق بالاستقراض، في معظم الآيات التي تحدثت عن الإنفاق، بالرغم من أنَّ المالك الحقيقي لجميع عالم الوجود هو الله تعالى وأنَّ الناس يمثلون وكلاء عن الله في التصرف في جزء صغير من هذا العالم كما ورد ذلك في سورة الحديد ﴿آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾([2])، ولكن مع ذلك يعود سبحانه إلى العبد ليستقرض منه، والحال أنَّ الله هو الغني المطلق.
والجواب الفصل في هذه المسألة في قول الإمام أمير المؤمنين عليه السلام فقد ورد عنه في نهج البلاغة قوله:"وأنفقوا أموالكم، وخذوا من أجسادكم فجودوا بها على أنفسكم، ولا تبخلوا بها عنها، فقد قال الله سبحانه: {إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}([3])، فلم يستنصركم من ذُل، ولم يستقرضكم من قِلّ، استنصركم وله جنود السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم، واستقرضكم وله خزائن السماوات والأرض وهو الغنى الحميد، وإنّما أراد أنْ يبلوكم أيّكم أحسن عملاً"([4]).
فهذه النصوص من خطبة الإمام عليه السلام أوردها صاحب تفسير الأمثل، مستدلاً بها على أنَّ هذا الاستقراض إنما كان هدفه ابتلاء المؤمنين، حتى لا يتصوروا أنَّ الإنفاق والبذل سوف يؤدي إلى قلّة أموالهم ؛ لأنّ سعة أرزاقهم وضيقها بيد الله سبحانه وتعالى، فهو القادر على أن يعوض ما أنفقتموه أضعافاً مضاعفة، فإنَّ تلك الأموال التي أنفقتموها نفسها سوف تعود إليكم في الواقع، هذا من حيث البعد الدنيوي، وأمّا البعد الأخروي للإنفاق فأراد للمسلمين أنْ لا ينسوا أنَّ جميع المخلوقات سوف تعود إلى الله عزّ وجلّ وسوف يثيبهم حينذاك ويجزل لهم العطاء([5]).
كما أوردها أيضاً الشيخ محمد جواد مغنية في تفسيره الكاشف إذ قال: "المراد بالإقراض هنا النفقة؛ لأنَّ اللّه غني عن العالمين"([6])، ثم أورد نص كلام الإمام عليه السلام حول حقيقة الاستقراض)[7].
الهوامش:
([1]) البقرة، 245.
([2]) الحديد، 7.
([3]) محمد، 7.
([4]) نهج البلاغة، 2/131.
([5]) ظ : الأمثل، 2/212.
([6]) الكاشف، 7/244.
([7] )لمزيد من الاطلاع ينظر: أثر نهج البلاغة في تفاسير الإمامية، الشيخ محسن الخزاعي، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 178-179.