بقلم م. م. الشيخ محسن الخزاعي- جامعة الكوفة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين أساس الدين وعماد اليقين.
أما بعد:
تعد التقوى من الصفات التي ينبغي أن يتحلى بها المؤمن، إذ إنها تعمل على تحصينه، وتمنعه من الوقوع في كل ما من شأنه أن يؤثم قلبه، أو يشغله عن ذكر الله سبحانه وتعالى، فهي إذن مأخوذة من الوقاية، والوقاية تعني الحذر والاحتراز والبعد والاجتناب، وكلما كان الحذر أكثر كانت التقوى أكمل، ولهذا نرى أنَّ المتظاهرين بالتقوى يحذرون التدخل في أي عمل، حرصاً على سلامة تقواهم([1]).
وهذا المفهوم يُولِّد قوة روحية لدى الإنسان، تتولد من التمرين العملي الذي يحصل من الحذر المعقول من الذنوب، وقد أشار الإمام أمير المؤمنين عليه السلام: إلى هذا المعنى إذ قال)) عباد الله إنَّ تقوى اللَّه حمت أولياء اللَّه محارمه، وألزمت قلوبهم مخافته، حتى أسهرت لياليهم، وأظمأت هواجرهم))([2]).
وفي هذه الكلمة يصرح الإمام عليه السلام: بأنَّ التقوى شيء يكون الحذر من الحرام والخوف من اللَّه من لوازمه وآثاره، إذْ يعطي للتقوى مفهوماً واسعاً.
لهذا نجد أنَّ الإمام عليه السلام في نص آخر من نصوص نهج البلاغة يعطف نظره إلى الناحية الروحية والنفسية والمعنوية للتقوى وآثارها في الروح، بحيث تبعث فيه الإحساس بحب البر والطهر، والإحساس بالتذمر من الذنوب والأرجاس والأنجاس، بقوله: ((فإنَّ التقوى في اليوم الحرز والجُنَّة، وفي غد الطريق إلى الجنة))([3]).
وبعبارة أخرى فهي الحصن المنيع الذي يصون الإنسان أمام طغيان الشهوات، لهذا السبب وصف أمير المؤمنين علي عليه السلام التقوى بأنَّها الحصن الذي يقي الإنسان أخطار الانزلاق إذْ قال: ((اِعْلَمُوا عِبَادَ الله أَنَّ التَّقْوَى دَارُ حِصْن عَزِيز، والفجور دار حصن ذليل لا يمنع أهله ولا يحرز من لجأ إليه، ألا وبالتقوى تُقطع حمَّة الخطايا، وباليقين تدرك الغاية القصوى))([4]).
وفي نص آخر من نصوص نهج البلاغة وصف الإمام عليه السلام التقوى بالمطايا الذلل التي توصل الناس إلى مأمنهم، وقصد بذلك الجنة، إذ قال: ((ألا وَإِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ، حُمِلَ عَلَيْهَا أهلها، وأُعْطُوا أزِمَّتَها، فَأورَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ))([5]).
ومن خلال هذه الخطبة والخطبة التي قبلها نجد تأثيراً واضحاً لهما في تفسير بعضهم، كما هي الحال عند الشيخ مكارم الشيرازي، حين فسر قوله تعالى: ([6])، مبيناً أن اختصاص هداية القرآن بالمتقين في الوقت الذي هو هداية للبشرية جمعاء، إنما يعود إلى أن الإنسان لا يتقبل هداية الكتب السماوية ودعوة الأنبياء، ما لم يصل إلى مرحلة معينة من التقوى، (مرحلة التسليم أمام الحق وقبول ما ينطبق مع العقل والفطرة)، ومثل هذا القسم هم الذين يستفيدون من القرآن أو أيّ كتاب سماوي آخر، فكما إنّ ((فاعليّة الفاعل)) شرط في الهداية التكوينية وفي الهداية التشريعية، كذلك ((قابلية القابل)) شرط فيهما أيضاً.([7])
بعدها توصل الشيخ مكارم الشيرازي إلى حقيقة التقوى، وأنها مأخوذة من الوقاية، وأنها تعني الحفظ والصيانة من خلال رؤية الإمام علي عليه السلام في موضوع التقوى، بقوله: "التقوى من الوقاية، أي الحفظ والصيانة، ...لهذا السبب وصف أمير المؤمنين علي(عليه السلام) التقوى بأنها الحصن الذي يقي الإنسان أخطار الانزلاق إذ قال: (اِعْلَمُوا عِبَادَ الله اَنَّ التَّقْوَى دَارُ حِصْن عَزِيز)، مستشهداً بقول الإمام عليه السلام في معنى التقوى([8]).
ثم استشهد بنص آخر من نصوص نهج البلاغة، الذي يجسم حالة التقوى إذ أورد في السياق ذاته قول الإمام عليه السلام ((ألا وَإِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ، حُمِلَ عَلَيْهَا أهلها، وأُعْطُوا أزِمَّتَها، فَأورَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ)). ([9])
الأمر الذي يظهر أهمية نهج البلاغة عند المفسرين، إذ نرى بعضهم لا يغادر تفسير الآية ما لم يمر بها في رحاب نهج البلاغة علَّه يجد ما يعضد تفسيره ويقوي حجته، فلا يكتفي بإيراد نص واحد إلا في حالة عدم وجود غيره يناسب المقام، فالملاحظ عند المفسرين أنه يستشهد في أكثر من نص من نصوص نهج البلاغة، وغايته في ذلك تعضيد رأيه بأبلغ الحجج، إذ ليس بعد كلام الإمام علي عليه السلام حجة ما خلا كلام الله تعالى وكلام نبيه المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.)[10].
الهوامش:
([1]) مجمع البيان، الطبرسي، 1/ 80.
([2]) نهج البلاغة، 1/ 224.
([3]) نهج البلاغة، 2/ 132.
([4]) نهج البلاغة، 2/ 51.
([5]) نهج البلاغة، 1/ 48.
([6]) البقرة، 3 5.
[7])) ظ: الأمثل، 1/ 74.
[8])) ظ : الأمثل، 1/ 83.
([9]) نهج البلاغة، 1/ 48، وظ : الأمثل، 1/ 83.
([10] )لمزيد من الاطلاع ينظر: أثر نهج البلاغة في تفاسير الإمامية، الشيخ محسن الخزاعي، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 167-170.