بقلم م. م. الشيخ محسن الخزاعي- جامعة الكوفة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين أساس الدين وعماد اليقين.
أما بعد:
الموضوع المهم الذي يجب أنْ يُبحَث في مسألة الخمس، وهو في الحقيقة بمثابة العمدة في هذا الموضوع، هو: هل لفظ الغنيمة في قوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْء فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَمَى وَالْمَسَكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ}([1])، يطلق على الغنائم الحربية فحسب، أم أنَّ الموضوع أوسع من ذلك فيشمل كل زيادة في المال.
والجواب على هكذا تساؤل: أنَّ القرآن الكريم وإنْ كان لم يبين الخمس فيما عدا ما غُنِم في المعركة، لكنَّ هذا لا يعني عدم تعلقه في سائر الموارد الأُخرى، وعليه لابد من الرجوع للسنة المطهرة لمعرفة ذلك، إذْ لا مانع من أنْ يشير القرآن الكريم إلى قسم من أحكام الخمس بما يناسب مسائل الجهاد، وأنْ تتناول السنة الشريفة بيان أقسامه الباقية.
والشواهد على ذلك كثيرة، فمثلاً قد وردت الصلوات الخمس اليومية صريحة في القرآن الكريم، كما أشير إلى صلاة الطواف التي هي من الصلوات الواجبة أيضاً، ولم ترد أيّة إشارةٍ في القرآن الكريم إلى صلاة الآيات المتفق على وجوبها بين الفرق الإسلامية من أهل السنة والشيعة كافة، ولا نجد قائلاً يقول بأنّه لا يجب الإتيان بصلاة الآيات لأنّها لم تذكر في القرآن الكريم، أو أنَّ القرآن أشار إلى بعض الأغسال ولم يذكر غيرها، فهل يجب ترك ما لم يشر إليه القرآن الكريم، فهذا المنطق لا يُقرُّه أي مسلم أبداً.
وبناءً على ذلك، فلا إشكال في أنْ يبيّن القرآن الكريم قسماً واحداً من أقسام الخمس وتتكفل السنة ببيان الأقسام الأُخرى.
ثم إنَّ معنى الغنيمة في اللغة لا ينحصر في غنائم الحرب، بل تشمل كل أنواع الزيادة المالية وغيرها، قال الزبيدي في تاج العروس: "والغنم الفوز بالشيء بلا مشقة، رهن لمن رهنه، له غنمه، وعليه غرمه، غُنمه أي: زيادته ونماؤه وفاضل قيمته"([2]).
ومما يؤيد عدم انحصار معنى الغنيمة في غنائم الحرب، ورودها في نهج البلاغة على لسان الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إذْ قال " اغتم المهل"([3])، وقال أيضاً: "من أخذ بها لحق وغنم"([4])، ويقول في كتابه إلى مالك الأشتر: "ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أُكُلَهم"([5])، وكذلك في كتابه إلى عثمان بن حنيف: "فو الله ما كنزت من دنياكم تبراً ولا ادخرت من غنائمها وفراً"([6])، والمعنى نفسه ورد في بعض كلماته القصار كقوله عليه السلام: "إنَّ الله جعل الطاعة غنيمة الأكياس([7])"، ويقول: "واغتنم من استقرضك في حال غناك"([8])، ونظير هذه التعابير والكلمات التي تدل على عدم انحصار معنى الغنيمة في غنائم الحرب كثير.
من هنا استدل مفسرو الإمامية على أنَّ الغنيمة في الآية محل البحث لا ينحصر معناه بغنائم الحرب، وإنَّما تشمل كل ما غنمه الإنسان في حياته، اعتماد على ما جاء في كتب اللغة، وما ورد في نهج البلاغة، فمنهم من صرَّح باعتماده على نهج البلاغة مثل الشيخ مكارم الشيرازي في تفسيره الأمثل، إذ يبدو حجم الاعتماد واضحاً وجلياً، وأثر نهج البلاغة فيه بينٌ، ومن هنا كان الخمس أحد فروع الدين المعمول بها لدى أتباع مدرسة أهل البيت عليه السلام([9]) )[10].
الهوامش:
([1]) الأنفال، 41.
([2]) تاج العروس من جواهر القاموس، محب الدين السيد مرتضى الحسيني الزبيدي، (ت 1205هـ)، دار الفكر، بيروت ـ لبنان، 1414هـ ـ 1994م، 17/ 527، مادة (غنم).
([3]) نهج البلاغة، 1/126.
([4]) نهج البلاغة، 1 /233.
([5]) نهج البلاغة، 3/34.
([6]) نهج البلاغة، 3/70.
([7]) شرح نهج البلاغة، ابن أبي الحديد، 3/ 185.
([8]) نهج البلاغة، 3/ 46.
([9]) ظ : الأمثل، 5/ 436، 437.
([10] )لمزيد من الاطلاع ينظر: أثر نهج البلاغة في تفاسير الإمامية، الشيخ محسن الخزاعي، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 182-184.