بقلم: د. قاسم خلف السكيني.
الحمد لله رب العالمين، عليه نتوكل وبه تعالى نستعين، سبحانه (الذي بطن خفيات الأمور، ودلت عليه أعلام الظهور، وامتنع على عين البصير، فلا عين من لم يره تنكره، ولا قلب من أثبته يبصره). وصلوات ربي الزاكيات، وسلامه الموفور بالخير والبركات، على خير خلقه، وخاتم رسله، محمد وعلى آله الطاهرين.
وبعد:
قال عليه السلام: ((أزْرىَ بِنَفْسِهِ مَنِ اسْتَشْعَرَ الطَّمَعَ، ورضِيَ بالذُّلِّ مَنْ كَشَفَ عَنْ ضُرِّهِ، وهانَتَْ عَلْيِه نِفْسُهُ مَنْ أمَّرَ عَلَيْهاَ لِسَانَهُ))
ورد في الحدائق: (أزرى بنفسه: أهانها، والضر: سوء الحال). (والكشف: رفعك الشيء الذي يواريه ويغطيه. وكشف الأمر: إظهاره)[1]، والكشف متضمن الزوال، ولهذا يقال لله سبحانه (كاشف الضر)[2]. ومن الواضح أن هذه الحكم تشترك بدلالة الضعة نظرا لوجود قرائن (أزرى، الذل، أهان) ولهذا السبب أوردتها في مكان واحد، فهي بمثابة حكمة واحدة (تحث على مكارم الأخلاق) كما قال البحراني في شرحه.
والمعنى المستفاد من هذه الحكمة: أن على الإنسان تجنب الهوان المتمثل بالطمع، والإبانة عن العوز وإذاعته، وتسليط اللسان على سائر الجوارح الذي هو بمثابة السبع الذي إن خلي عنه عقر.
ولو أنعمنا النظر في رواية العيون، لوجدنا أن بعضا من دلالة هذه الحكمة يتناقض مع الرواية الأحادية التي ترجع الذل إلى الطمع كونه يذل الإنسان، بينما لم ترد الحكمة هذا المعنى، بل أرادت أن الكشف عن الضر وعدم كتمه يذل صاحبه فكتمه أولى. وأما تقديم صاحب الدستور وتأخيره فلم يسوغه شرح أو تفسير، وإن ترتيب روايته فيها ضعف دلالي وأسلوبي. لأن الكشف عن الضر له دلالة تقترب من دلالة الطمع حيث فيه الحاجة – حسب إدراكي – ولذا فإن ورود (كشف عن ضره) بعد (....، الطمع) فيه تقارب دلالي. والفرق بين (كشف عن ضره) و (كشف ضره) أن الأولى كناية والثانية جملة تقريرية. ولو توسعنا قليلا فإن كشف الضر، بمعنى إزالته، إنما يكون بقدرة الله سبحانه)[3].
الهوامش:
[1] الفروق اللغوية أبو هلال العسكري ص 470.
[2] اللسان: (كشف).
[3] لمزيد من الاطلاع ينظر: شرح حكم الإمام علي وتحقيقها من شروح نهج البلاغة: للدكتور قاسم خلف مشاري السكيني، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 26-27.