مناقشة تأويل أبي حيان الأندلسي (ت 745هـ) للإرث في قوله تعالى {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ} وبيان معارضته للقرآن والسُنَّة النبوية وتضافره على هضم فاطمة عليها السلام.

مقالات وبحوث

مناقشة تأويل أبي حيان الأندلسي (ت 745هـ) للإرث في قوله تعالى {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ} وبيان معارضته للقرآن والسُنَّة النبوية وتضافره على هضم فاطمة عليها السلام.

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 06-04-2023

بقلم : السيد نبيل الحسني.

تناول أبو حيان الأندلسي المراد من الإرث في قوله تعالى: {يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آَلِ يَعْقُوبَ}، في تفسيره، فقال:
(قال ابن عباس ومجاهد وأبو صالح: (المولي) هنا: الكلالة، خاف أن يرثوا ماله، وأن يرثه الكلالة.
وروى قتادة والحسن عن النبي [صلى الله عليه وآله وسلم]:
«يرحم الله أخي زكريا ما كان عليه ممن يرث ماله».
 وقالت فرقة: إنما كان مواليه مهملين الدين فخاف أن يضيع الدين، فطلب ولياً يقوم بالدين بعده؛ وهذا لا يصح عنه، إذ قال -[صلى الله عليه وآله وسلم]-: «نحن معاشر الأنبياء لا نورِّث ما تركناه صدقة».
والظاهر اللائق بزكريا (عليه السلام) من حيث هو معصوم أن لا يطلب الولد لأجل ما يخلفه من حطام الدنيا. وكذلك قول من قائل: إنما خاف أن تنقطع النبوة من ولده ويرجع الى عصبته، لأن تلك إنما يضعها الله حيث شاء ولا يعترض على الله فيمن شاءه واصطفاه من عباده)[1].

أقول:
1 ـ إنّ ما ينماز به هذا القول هو رده وإنكاره على من قال بأن الإرث في الآية، هي: النبوة، فقال:
(إنما يضعها الله حيث يشاء، ولا يعترض على الله فيمن شاءه واصطفاه من عباده).
2 ـ أما أنكاره في وراثة المال، فقد أرجعه الى أمرين، الأول: هو حديث (لا نورِّث)، وهو الأمر الذي بات واضحاً كوضوح الشمس في رابعة النهار.
والثاني: تقريره فيما يكون لائقاً بحال الأنبياء (عليهم السلام) وفيما لا يكون، فقال:
(الظاهر اللائق بزكريا من حيث هو معصوم ألّا يطلب الولد لأجل ما يُخلّفه من حطام الدنيا)!!
ومما لا ريب فيه أن هذا القول معارض للقرآن والسُنَّة النبوية، فأما القرآن فقد أظهر حال نبي الله سليمان (عليه السلام) وطلبه لله عزّ وجل بأن يهب له ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، قال تعالى :
{قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [سورة ص :34] وكذا حال نبي الله يوسف (عليه السلام) فقد طلب من فرعون أن يجعله على خزائن الأرض، قال تعالى:
{قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [سورة يوسف/118].

وناداه أهل مصر بالعزيز، وسجد له أخوته، قال تعالى:
{فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ الله يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ} [سورة يوسف/88].
أفهل كان من اللائق أن يكون نبي الله يوسف (عليه السلام) حاكما على مصر، يتبوأ من أرضها حيث يشاء؛ وله السلطان والحكم وهو في ذروة الحياة الدنيا، ولا يكون من اللائق بزكريا أن يسأل الله تعالى أن يهب له ولداً يرثه ماله؟! سبحان الله عمّا يقولون!!
وأما مخالفته للسُنّة، فقد مرّ بيانه في أموال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ولو كان ذلك غير لائق بالأنبياء لما خص الله تعالى سيد الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) بالأنفال وجعله متصرّفًا بسهم الله وسهم رسوله من الفيء، وخمس الغنيمة، ومما لم يوجف عليه بخيل أو ركاب، والصوافي، وما وهب له ، وغيرها من الأموال والأملاك التي مرَّ ذكرها.
سوى شريعة تضافر الأمة على هضم بضعة النبوة كما كشف أمير المؤمنين عليه وعليها وولدهما السلام في خطابه لرسول الله صلى الله عليه وآله، فقال:
«وستنبئك ابنتك بتضافر أمتك عليَّ وعلى هضمها حقها ، فاستخبرها الحال ، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا وستقول ، ويحكم الله وهو خير الحاكمين»[2] . [3]

 الهوامش:
[1] تفسير البحر المحيط: ج6 ص164.
[2] الأمالي ، الشيخ المفيد : ص282
[3] لمزيد من الاطلاع ، ينظر : معارضة حديث لا نورث للقران والسُنّة واللغة ، السيد نبيل الحسني : 176/178 ، إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينية المقدسة ، ط1 دار الوارث كربلاء المقدسة - 2021م

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2263 Seconds