من آثار نهج البلاغة في المستوى التعبدي لدى المفسرين: منهج الدعاة إلى الله

مقالات وبحوث

من آثار نهج البلاغة في المستوى التعبدي لدى المفسرين: منهج الدعاة إلى الله

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 19-04-2023

بقلم: د. الشيخ محسن الخزاعي- جامعة الكوفة:

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين أساس الدين وعماد اليقين.

أما بعد:
قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَبَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}([1]).
ذكر المفسرون أنَّ هذه الآية: خطاب لعلماء اليهود، وكانوا يقولون لأقربائهم من المسلمين: اثبتوا على ما أنتم عليه، ولا يؤمنون هم فوﹼبخهم الله تعالى على ما كانوا يفعلون من أمر الناس بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وترك أنفسهم عن ذلك ([2]).
وهذا التوبيخ وإنْ كان موجهاً إلى علماء اليهود، إلا إنَّه يجري في كل زمان وينطبق على ما يمكن أنْ ينطبق عليه وإنْ كان خارجاً عن مورد النزول، وكما قيل العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
فالآية فيها توبيخ للداعية الذي يقول ما لا يفعل، إذْ إنَّ منهج الدعاة إلى الله سبحانه يقوم على أساس العمل أولاً، ثم القول ثانياً، فالدّاعية إلى الله تعالى يبلّغ بعمله قبل قوله، كما جاء في الحديث عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام: "كُونُوا دُعَاةَ النَّاسِ بِأَعْمَالِكُمْ وَلاَ تَكُونُوا دُعَاةً بِأَلْسِنَتِكُمْ"([3]).
والتأثير العميق للدعوة العملية يأتي من قدرة مثل هذه الدعوة في فتح منافذ قلب السامع، فالسامع يثق بما يقوله الداعية العامل، ويرى أنَّ هذا الداعية مؤمن بما يقول وأنَّ ما يقوله صادر عن القلب، والكلام الصادر عن القلب ينفذ إلى القلب، وأفضل دليل على إيمان القائل بما يقوله، هو العمل بقوله قبل غيره.
وبهذا الشأن قال الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي وَاللهِ مَا أَحُثُّكُمْ على طَاعَة إلا وأَسْبِقُكُمْ إلَيْهَا، وَلاَ أَنْهَاكُمْ عَنْ مَعْصِيَة إلا وَأَتَنَاهَىْ قَبْلَكُمْ عَنْهَا"([4]).
ذكر الشيخ مكارم الشيرازي هذه الكلمات عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام في نهج البلاغة، في أثناء حديثه عن أخلاقيات الداعية، وما ينبغي عليه الالتزام به وذلك عند تفسيره لقوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَبَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ}([5]))[6].

 الهوامش:
([1]) البقرة، 44.
([2]) ظ: مجمع البيان، الطبرسي، 1/ 192، وظ : البحار، 9/ 64.
([3]) قرب الإسناد، الشيخ أبو العباس عبد الله بن جعفر الحميري القمي، (ت300هـ)، تحقيق ونشر: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم، 1413هـ، 77، وظ: بحار الأنوار، 5/ 198.
([4]) نهج البلاغة، 2/ 90.
([5]) البقرة، 44، وظ : الأمثل، 1/ 192.
([6] )لمزيد من الاطلاع ينظر: أثر نهج البلاغة في تفاسير الإمامية، الشيخ محسن الخزاعي، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 190-192.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2642 Seconds