د. غانم عبد الحسن ردّاد
من الأوهام اللغويّة الّتي لهجت بها ألسن كثير من النَّاس استعمال (أو) مكان (إمَّا) الثانية من عهد الإمام علي (عليه السّلام) لمالك الأشتر الّذي نقله الشَّريف الرضي وغيره وهو: (فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْـخَلْقِ) إذ ينطقونه: (النَّاس صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، أو نَظِيرٌ لَكَ فِي الْـخَلْقِ)، فيضعون (أو) موضع (إمَّا)، وهذا لم ينصّ عليه الإمام؛ لتعذر هذا الاستعمال في لغته العالية، التي ليس من أصولها أن تعطف (أو) على (إمَّا)، بدليل قوله تعالى (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا). وقوله تعالى {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} وقوله تعالى {إِمَّا أَن تُلْقِيَ وَإِمَّا أَن نَّكُونَ نَحْنُ الْمُلْقِينَ} فـ (إمَّا) بكلِّ معانيها لا تُعطف عليها (أو)، هذا هو الأصل إلّا فيما ندر في معنى التخيير بين الأداتين حُمل على التّوهم بينهما على تفصيل ليس هنا محلّه.
إن القائلين (النَّاس صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، أو نَظِيرٌ لَكَ فِي الْـخَلْقِ) قد سلكوا سبيل الوهم بظنّهم أنّ (أو) تأتي بعد (إمَّا) لمعنى التفصيل أو التقسيم وهذا لا وجه له في زمن الفصاحة، أو ربّما وقع في أسر بيانهم أنّ (إمَّا الثّانية) تفيد معنى التخيير في النصّ، فوضعوا (أو) مكانها، وجعلوا مراد القول: إمَّا كذا أو كذا، أي: كأنّك تُخيَّر في كون الإنسان أخًا لك في الدّين أو نظيرًا لك في الخلق، فتختار واحدا، كالّذي يقول لك: كلْ تمرًا أو تفاحًا، فتختار من الصنفين أحدهما فقط.
وهذا بعيد عن مراد الإمام، الذي أراد الصنفين كليهما، فقوله (فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، وَإمّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْـخَلْقِ) هو تفصيل لبيان الشيء المُجمل بذكر صنفيه لغرض التسوية بينهما من دون تغليب لأحدهما على الآخر، أو تفضيله عليه، بتقسيم وتفريق مجرد بتكرار (إمّا)، إذ فصَّل معنى (هم) أي: النَّاس -وهو معنى كليّ مجمل- إلى صنفيه: (أخ لك في الدين) و(نظير لك في الخلق)، وهما: جزآن مختلفان غير أنَّهما مرتبطان في معنى كليّ واحد هو الإنسان؛ ليتبيَّن أنّ كلّ إنسان مرتبط بأخيه الإنسان بأحد الصّنفين أو بكليهما، وهي رابطة تفصح عن العلقة بين بني آدم وتوجب تحقيق العدالة والمساواة والعفو والصّفح بينهم من دون تمييز.