مناقشة أقوال الآلوسي في تفسير قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} وبيان معارضتها للقرآن والسُنَّة. خامسًا: قوله أن المعصومين عند الشيعة خالفوا الحكم بإرث فاطمة وأن الإمام علي حبس تركة النبي صلى الله عليه وآله عن العباس وبنيه.

مقالات وبحوث

مناقشة أقوال الآلوسي في تفسير قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} وبيان معارضتها للقرآن والسُنَّة. خامسًا: قوله أن المعصومين عند الشيعة خالفوا الحكم بإرث فاطمة وأن الإمام علي حبس تركة النبي صلى الله عليه وآله عن العباس وبنيه.

1K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 25-05-2023

بقلم: السيد نبيل الحسني.

قال الآلوسي: (وقد ثبت أيضاً بإجماع أهل السِيّر والتواريخ وعلماء الحديث أن جماعة من المعصومين عند الشيعة والمحفوظين عند أهل السُنَّة عملوا بموجبه [إي حديث « إنّ العلماء ورثة الأنبياء»] فإن تركة النبي [صلى الله عليه وآله] لما وقعت بأيديهم لم يعطوا منها العباس ولا بنيه ولا الأزواج المطهرات شيئاً).

أقول:
1- لقد بدا جلياً مرة أخرى أن الآلوسي يعتمد منهج التغليط، فأما قوله (وقد ثبت أيضًا بإجماع أهل السير والتواريخ والحديث)؛ فمتى ثبت السابق من قوله في الدفاع عن حديث «لا نورث» حتى يثبت اللاحق.
2- وأما قوله (بإجماع هل السير والتواريخ والحديث ) فهل هذا الإجماع حدسي أم حسي أم كشفي؟ وما هي القرينة الخارجية الكاشفة عن هذا الإجماع فلم يكشف للقارئ عن آلية تحقق الإجماع لديه وبيان نوعه ؟!.

3 ـ وأما قوله: (فإن تركة النبي [صلى الله عليه وآله] لما وقعت بأيديهم لم يعطوا منها العباس ولا بنيه) فهو يتركز على التدليس في تقديم المعلومة إلى القارئ ، وذلك أنّ الأئمة المعصومين (عليهم السلام) اللذين وقعت بأيديهم تركة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هما أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب وولده الإمام الحسن (عليهما الصلاة والسلام)؛ فأمّا أمير المؤمنين (عليه السلام) فقد صرّح بظلامة عترة النبي (صلى الله عليه وآله ) وبضعة النبوة فاطمة (عليها السلام) ، فقال في كتابه الذي بعثه الى واليه على البصرة عثمان بن حنيف:
(بلى، كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلته السماء، فشحت عليها نفوس قوم وسنحت عنها نفوس قوم آخرين، ونعم الحكم الله)[1].
فالنص الشريف بيّنُ الدلالة واضح المعنى في تظلّمه (عليه السلام) مما صنعه أبو بكر وعمر وعثمان، ولكونها ظلامة البضعة النبوية وهي نحلتها خاصة ولا علاقة لها بالإرث، أي أرض فدك فقد تركها أمير المؤمنين (عليه السلام) كي يعلم الجميع لاسيما أعلام أهل السُنَّة والجماعة: أنّ الدعوى قائمة، وصاحب الدعوة قتل مرتين، الأولى: بمصادرة جميع حقوق فاطمة (عليها السلام)، والثانية: بتضافر أعلام أهل السُنَّة والجماعة على هضمها.
وأما الإمام الحسن (عليه السلام) فبعد أن بايعه المسلمون في المدينة ومكة والعراق بعد استشهاد أبيه (عليه السلام) لم يبق في الحكم سوى ستة أشهر، وقد كان فيها يَعُد العُدّة لجهاد زعيم الفئة الباغية معاوية بن أبي سفيان، فلما لم تتوافر لديه سبل المسير لقتال معاوية وحزبه هادنه وصالحه على كف دماء المسلمين، وحفظ شيعة آل النبي (صلى الله عليه وآله) ، وله في ذاك أسوة بجده رسول الله (صلى الله عليه وآله) في صلح المشركين في الحديبية، وقد ترك حقه في الخلافة وغيرها، فقال مخاطباً أسلاف الآلوسي في عام الجماعة:
«أيها الناس، إنه لا يعاب أحد بترك حقه، وإنما يعاب أن يأخذ ما ليس له»[2].
وعليه: فإن هذا التدليس واضح، وهو الذي بدا في قوله: (جماعة من المعصومين) بتركهم تركة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بناءً على القول المزعوم المروي عن أبي بكر: (لا نورِّث)؟!!

4- أما جمعه لحقوق فاطمة عليها السلام بلفظ « تركة النبي (صلى الله عليه وآله) »:
فهذا يكشف عن التغليط المتعمد فيما أورده أهل السيّر والتاريخ والحديث في بيان تركة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنّها تنقسم الى دعاوى ثلاثة وهي (الإرث، والنِحلة، وسهم ذي القربى) فهذه الموارد الثلاثة قد تضافر أعلام أهل السُنَّة والجماعة على جمعها ضمن عنوان واحد وهو إرث النبي (صلى الله عليه  وآله) وتركته، كي يتم التدليس على القارئ والسامع بظلامة بضعة النبي(صلى الله عليه وآله) ، في الموارد الثلاثة، وهو ما جاءت تطالب به (عليها السلام) ، وأخرجه أصحاب الصحاح والسنن والمسانيد.  
ومن ثمَّ: فالأمر لا ينحصر بما للعباس بن عبد المطلب وبنيه، وإنما بما لبضعة النبوة (عليها السلام) من الحقوق، فلكل منهما موارده وأحكامه الشرعية التي جاء بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والتي لا مكان لها في سُنة الشيخين.
5- أما قوله: (ولا الأزواج المطهرات) فسبحان الله تعالى عما يقولون فقد عَدَلَ الآلوسي هنا عن حكم «إنمّا» التي تفيد الحصر ، والذي طالب الشيعة العمل به في حديث «أن العلماء ورثة الأنبياء» المروي عن الإمام الصادق عليه السلام فقد أصبحت «إنمّا» متعدية إلى الأزواج ، أي أزواج النبي صلى الله عليه وآله ، فقد أدخلهنَّ الآلوسي في آية التطهير وهو من العجب ، وذلك أنه يريد من الشيعة الأخذ بحكمها في الحديث وهو لا يأخذ بحكمها في آية التطهير!! .

ومن ثمَّ فأن أقل ما يقال فيه أنّه قصور فهم لما أنزله الله على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وذلك أن آية التطهير محصورة بأداة الحصر (إنما) في النبي (صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة وولديهما) فهم الذين نزلت فيهم آية التطهير، وهم المطهرون، وأما أزواج النبي (صلى الله عليه وآله) فلَسْنَّ من المطهرات بنص القرآن في سورة التحريم في قوله عزّ وجل:
{وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ  * إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ الله هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ  * عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} [سورة التحريم/3-5].
ولقد صرّح عمر بن الخطاب بما لا يقبل التأويل بأن المرأتين اللتين حذّرهما الله من التظاهر على سيد رسله (صلى الله عليه وآله وسلم) هما عائشة وحفصة.

فقد أخرج البخاري ومسلم عن ابن عباس، قال:
(لبثْتُ سنة وأنا أريد أن أسأل عمر عن المرأتين اللتين تظاهرتا على النبي [صلى الله عليه وآله وسلم] فجعلت أهابه، فنزل يوماً منزلاً، فدخل الأراك فلما خرج سألته، فقال: عائشة وحفصة!!!
 ثم قال: كنا في الجاهلية لا نعد النساء شيئاً، فلما جاء الإسلام وذكرهن الله، رأينا لهنَّ بذلك علينا حقاً من غير أن ندخلهنَّ في شيء من أمورنا، وكان بيني وبين امرأتي كلام فأغلظت لي، فقلت لها: وإنك لهناك، قالت: تقول هذا لي! وابنتك تؤذي النبي [صلى الله عليه وآله وسلم] فأتيت حفصة، فقلت لها: إني أحذّرك أن تعصي الله ورسوله، وتقدمت إليها في آذاه...)[3].

والحديث يكشف دون أي لبسٍ عن أذى حفصة وعائشة لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).
 والسؤال المطروح: كيف يصح القول بأنهنّ مطهرات من الآثام، وهنّ يؤذين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، والله عزّ وجل يقول في محكم التنزيل: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا} [سورة الأحزاب/57]؟!!
ومِنْ ثمَّ : لا يمكن دفع التوارث بين الأنبياء عليهم السلام في الأموال بعد إقرار القرآن والسُنّة واللغة بذلك ، إلا أن الحقيقة المرّة والتي لا مفرَّ منها ، هي : تضافر الأمة على هضم بضعة النبوة (عليها السلام) وقد تجلّت في دفاعهم عن خصوم فاطمة عليها السلام والانتصار لهم ، وهو ما صرّح به أمير المؤمنين (عليه السلام) في خطابه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فقال:
« وسَتُنَبِّئُكَ ابْنَتُكَ بِتَضَافُرِ أُمَّتِكَ [عليَّ] وعَلَى هَضْمِهَا ، فَأَحْفِهَا السُّؤَالَ واسْتَخْبِرْهَا الْحَالَ»[4] «فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلا ، وستقول ، ويحكم الله ، وهو خير الحاكمين»[5] . [6]

الهوامش:
[1] نهج البلاغة بشرح محمد عبدة: ج3 ص71.
[2] أمالي الطوسي: ص567.
[3] صحيح البخاري، كتاب اللباس: ج7 ص 47؛ صحيح مسلم، باب: في الابلاء والاعتزال: ج4 ص 192.
[4] نهج البلاغة ، الشريف الرضي : الخطبة رقم : 202
[5] الأمالي ، الشيخ المفيد : ص282
[6] لمزيد من الاطلاع ، ينظر : معارضة حديث لا نورث للقران والسُنّة واللغة ، السيد نبيل الحسني : 201 / 206 ، إصدار مؤسسة علوم نهج البلاغة التابعة للعتبة الحسينية المقدسة ، ط1 دار الوارث كربلاء - 2021م – مع بعض التصرف والإضافة- .

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3159 Seconds