من سياسة الإمام علي عليه السلام في بيت المال 2-الجزية والخراج والعشر

مقالات وبحوث

من سياسة الإمام علي عليه السلام في بيت المال 2-الجزية والخراج والعشر

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 26-07-2023

بقلم: د. جليل منصور العريَّض

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:
أن أثر هذه الضريبة، أي الجزية في موارد الدولة ـ على عهد علي عليه السلام ـ كان ضئيلاً نسبياً، لكون كثيرا ممن كانوا يدفعونها قد دخلوا الإسلام، إما تخلصاً من دفعها، فلم يبق من دافعيها إلا قلة من اليهود والمسيحيين فيما عدا التغلبيين[1]، لذلك لا نرى للجزية أي ذكر في نصوص النهج، أو قد يكون ضمن النصوص التي لم تدخل ضمن اختيار الجامع[2].

3ـ الخراج والعشر:
أو ضريبة الأرض، وقد أهتم المسلمون بها اهتماماً بالغاً لكونها المصدر الرئيس لتمويل مشاريع الدولة، وصرف مرتبات الجند والقضاة والعمال وغيرهم من الموظفين، ومن دواعي الاهتمام بها فقد دخلت تلك الضريبة في كتب الفقه الإسلامي كموضوع قائم بذاته، فافرد لها أبو يوسف[3](ت 182) فصولاً عرفها فيها، بالإضافة إلى كيفية جمعها من الفلاحين وملاك الأرض، والنواحي التي تصرف فيها تلك الاموال. كما عالج ضريبة الأرض أيضاً أبو عبيد القاسم بن سلام[4](ت 224)، وحظيت أيضاً باهتمام يحي بد آدم [5](ت 370هـ)، وعرض الماوردي لها[6]، كما افرد الحافظ عبد الرحمن بن أحمد الحنبلي (ت 795هـ) كتاباً، خاصاً بالخراج أسماه (الاستخراج في أحكام الخراج)، ولو رجعنا للنهج لنستقرئ فكر علي عليه السلام في ضريبة الأرض تلك، فسنجد إن اهتمامه قد انصب أولاً ـ وقبل جباية الأموال  على العامل أو الفلاح، ومن ثم على الأرض التي يعملون عليها، وهما كما نلاحظ دعامتا الثروة الرئيستان في المجتمع الزراعي، الذي كانت الدولة الإسلامية تعتمد عليه في معيشة سكانها، وفي إدارة دفة الحكم. يقول علي عليه السلام في عهده للأشتر «وتفقد أمر الخراج بما يصلح أهله، فإن في صلاحه وصلاحهم، صلاحاً لمن سواهم، ولا صلاح لمن سواهم الا بهم لأن الناس كلهم عيال على الخراج»[7]، فالخراج في النص كناية عن الأرض، وليست الضريبة المفروضة عليها، ثم ان أهل الخراج هم الفلاحون وتفقدهم يعني اصلاح حالهم وتعهدهم بإنشاء القنوات، ومد الجسور، وحفر الآبار، واستصلاح الأرض، والوقوف إلى جانبهم في وقت الكوارث الطبيعية، من جفاف أو فيضان أو جراد، فإن كل ذلك يمكن الفلاح من زيادة انتاجه، ويعني في نهاية المطاف الزيادة في دخل الخراج، ومن أجل ذلك يقول علي عليه السلام للأشتر «وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب الخراج، لأن ذلك لا يدرك الا بالعمارة، ومن طلب الخراج بغير عمارة، اخرب البلاد واهلك العباد ولم يستقم امره الا قليلاً»[8]، لأن العمال والفلاحين سيهجرون الأرض وبذلك تكثر المجاعات وينهدم الاقتصاد فيختل الامن، مما يدعو في النهاية إلى زوال نظام الحكم، فالعمران ـ كما يبدو في فكر علي عليه السلام ـ هو ما ينمي الدخل «وانما يؤتى خراب الأرض من اعواز أهلها، وانما يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع، وسوء ظنهم بالبقاء وقلة انتفاعهم بالعبر»[9]وهو ما يعني ضمنا ان حكام السياسة المتعلقة لا يكمن في ارهاق العباد بفرض الضرائب وجمع الأموال لملء خزينة الدولة لأن دخل الدولة الحقيقي ورصيدها المالي هو الإنسان ذاته، فإذا صلح الإنسان وصلحت حاله، تمكن من العطاء بما يعود عليه وعلى البلاد بالخير العميم، وفي تاريخ الإنسانية من العبر الكثيرة التي يمكن للحكام الانتفاع بها لو تأملوها بعين العقل. على تلك الأسس الإنسانية المتينة باشر علي عليه السلام سياسته المالية تجاه الأرض مصدر الرزق الاساسي في عصره، فمن وصية له إلى عماله على الخراج يقول «ولا تبيعن للناس في الخراج كسوة شتاء ولا صيف، ولا دابة يعتملون عليها، ولا عبداً، ولا تضرب أحداً سوطاً لمكان درهم ولا تمسن مال احد من الناس مصل ولا معاهد، الا ان تجدوا فرسا أو سلاحاً يعدى به على الإسلام»[10]، إذ لا يمكن ان تؤخذ الضريبة من الإنسان على ضرورياته الحياتية «من غذاء أو كساء أو أثاث أو الة أو حيوان»[11]. وبهذا الأسلوب المثالي السمح تدفقت الضرائب من خراج وعشر على بيت مال الدولة مما جعل العطاء يزيد ويكثر[12] إلى الحد الذي أدّى بعلي عليه السلام إلى اطعام اليتامى والمساكين العسل[13])[14].

الهوامش:
[1] صالح عمر بن الخطاب نصاري بني تغلب أن يضاعف عليهم الزكاة عوضاً عن الجزية شريطة الا يشتركوا في حرب ضد المسلمين وأن لا ينصروا أولادهم. راجع الخراج لأبي يوسف ص 120.
[2] راجع ص 123 وما بعدها من هذا البحث.
[3] راجع كتاب الخراج ص 33، 47، 63، 133.
[4] راجع كتاب الأموال ص 73، 79، 83، 102، 524.
[5] راجع كتاب الخراج ص 22، 63، 84.
[6] راجع الأحكام السلطانية ص 124 وما بعدها و ص 153 وما بعدها و ص 167 وما بعدها.
[7] رسائل 53، فقرة 22.
[8] المصدر السابق.
[9] رسائل 53، فقرة 22. اعواز أهلها: جعلهم في حاجة مستديمة، اشراف: تطلع.
[10] رسائل 51.
[11] مغنية: في ظلال النهج 4/41.
[12] راجع انساب الاشراف 2/136 وما بعدها.
[13] المصدر السابق نفسه.
[14] لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور خليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 339-342.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2391 Seconds