بقلم: الباحثة زهراء حسين جعفر
الحمدُ لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسببا للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالضياء، وقدمه في الاصطفاء، وجعله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
قسيم
ورد حَدِيث الإمام عَلِيّ (عليه السلام) في كتب الغريب قَوله: ((أَنَا قَسِيمُ النَّارِ)) ([1]). قال الخليل: ((القَسيم: الذي يقاسمك أرضاً، أو مالاً بينك وبينه. وهذه الأرض قَسيمة هذه أي عزلت منها، وهذا المكان قَسيمُ هذا...)) ([2]). ويقال: هَذَا قسيم هَذَا: أَي شطره([3]).
ذكر اصحاب غريب الحديث المراد من قوله عليه السلام أَنَا قَسِيمُ النَّارِ ان النَّاس فريقان فريق معي فهم على هدى، وفريق عَليّ فهم على ضلال، فَأَنا قسيم النَّار، أي: نصف فِي الْجنَّة معي وَنصف فِي النار، وقِيلَ: أَرادَ بِهِم الخوارج. وَقِيلَ: كلُّ من قاتَله([4]).
وذكر السرقسطي قول بَعْض أَصحابِ الْحَدِيثِ معناه: أَنَّ كل من اتَّبعنِي كَان عَلى الحق، ومَن تخلَّف عنِّي هَلكَ([5]). وقال الزمخشري في قوله: (أَنا قسيم النَّار) ((أَي مقاسمها ومساهمها. يَعْنِي أَن أَصْحَابه على شطرين: مهتدون وضالون فَكَأَنَّهُ قَاسم النَّار إيَّاهُم فشطر لَهَا وَشطر مَعَه فِي الْجنَّة))([6]). ومنهم من قال: ((هو قسيمها بنفسه في الحقيقة، يدخل قوما إلى الجنة، وقوما إلى النار)) ([7])، وقَسِيم على زنة فَعِيل بِمَعْنَى مُفاعِل، مثل: الأَكيل وَالشَّريب([8]). فالدلالة الصرفية العامة هي الْقَسِيم: وأمَّا الدلالة عند الإمام فهي: الْمُقَاسِم([9]).
وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام في مقاسمة النّار قال: اُقاسِمها قِسْمةً صَحاحا))([10]). وذكر المجلسي حديث الإمام علي (عليه السلام) لحارث الهمداني قوله: ((يا حار ليعرفني...وليي وعدوي في مواطن شتى، ليعرفني عند الممات، وعند الصراط، وعند المقاسمة..))([11]) فعند ذلك سأل الحارث إمامه فقال له ما المقاسمة يا مولاي؟ فأجابه (عليه السلام):
((مقاسمة النار أقاسمها قسمة صحاحا، أقول: هذا وليي وهذا عدوي))([12])
قال الزبيدي: ((قَاسَمَه الشَّيءَ، مُقَاسَمَةً: أَخَذَ كُلٌّ مِنْهُمَا قِسْمَهُ))([13]). قوله (عليه السلام) (اُقاسِمها)، أي: يقاسم الناس قسمة سويَّة فمن تبعه (عليه السلام) مصيره الى الجنة، ومن عاداه مصيره الى النار. فالفعل الثلاثي المزيد بحرف الذي يدلُّ على معنى المشاركة (([14]))، أي: أخذ الإمام من ولاه من الناس الى الجنة، والقسم الآخر من عاداه نصيبه الى النار.
ومن روائع كلامه (عليه السلام) اختياره مفردة (أقاسمها)، من أصل الفعل الماضي المزيد بحرف واحد على زنة (فاعل) ولم يستعمل الفعل الماضي المجرد، وإنّما اختار اللفظ المناسب الذي يدل على المشاركة، ولأنَ الفعل الماضي المجرد له زمن محدد، والإمام لا يريد أن يقيد الجملة بزمن فاستعمل لفظة(أقاسمها). )([15]).
الهوامش:
([1]) غريب الحديث: ابن قتيبة 2/150، الدلائل في غريب الحديث 2/678-679، الغريبين في القرآن والحديث: 5/1543، غريب الحديث: ابن الجوزي 2/243، النهاية في غريب الحديث 4/61، لسان العرب: (قسم)12/479.
([2]) العين: (قسم)5/86، وينظر: المحكم والمحيط الاعظم(قسم)6/247، ولسان العرب: (قسم)12/479.
([3]) ينظر: المحكم والمحيط الاعظم(قسم)6/247.
([4]) النهاية في غريب الحديث والأثر: 4/61، لسان العرب: (قسم)12/479، مجمع بحار الأنوار: 4/270.
([5]) الدلائل في غريب الحديث: 2/678-679.
([6]) الفائق في غريب الحديث: 3/195، وينظر: الدلائل في غريب الحديث: 2/678-67.
([7]) ينظر: نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد: 9/165.
([8]) ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر4/61.
([9]) الغريبين في القرآن والحديث: 5/1543، اساس البلاغة: (ق س و)2/77.
([10]) بحار الانوار: 39 / 240.
([11]) بحار الانوار: 39 / 240.
([12]) الأمالي: 626، بحار الانوار: 39 / 240، وغريب الحديث في بحار الأنوار: 3/252، ولفظة صَحاحا معناها: السوِيّة بين الناس. والصَّحَاح -بالفتح- بمعنى الصَّحيح. والصِّحَّة والصَّحاح: خلاف السُّقْمِ، وذهاب الْمَرَض، وَالصَّحِيح وَالصِّحَاح بِمَعْنًى. ينظر: مقاييس اللغة: (صحح)3/281، ولسان العرب: (صحح)2/507، وغريب الحديث في بحار الأنوار: 3/252.
([13]) تاج العروس: (قسم)33/266.
([14]) ينظر: الكتاب: 4/80، واللغة العربية معناها ومبناها: 138.