القيم الخلقية في فكر الإمام علي (عليه السلام): 3- منابع القيم الخلقية في فكر علي عليه السلام كما تبدو في نهج البلاغة

مقالات وبحوث

القيم الخلقية في فكر الإمام علي (عليه السلام): 3- منابع القيم الخلقية في فكر علي عليه السلام كما تبدو في نهج البلاغة

567 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 29-07-2024

بقلم: د. جليل منصور العريَّض

الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.

أما بعد:
لكي نتمكن من معرفة القيم الأخلاقية في فكر علي عليه السلام، فلابد لنا ـ أولاً أن نقرر ما إذ كانت الأخلاق من وجهة نظر علي عليه السلام نظرية أم مكتسبة[1]، وهنا تستوقفنا الآراء الإسلامية فيما يتعلق بذلك الشأن، فقد ورد في الذكر الحكيم «وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا»[2]. وتفسير أهل السنة للآية ـ كما يبدو ـ يتفق والنظرة القائلة، بأن الأخلاق فطرية في الإنسان وعلى ذلك يجمع المفسرون بأن «الله تعالى خلق في المؤمن تقواه وفي الكافر فجوره»[3]، اما الشيعة فيرون ان الأخلاق اكتساب على أساس التفسير القائل بأن الله تعالى عرف النفس «طريق الفجور والتقوى وان احدهما قبيح والآخر حسن، ومكنها من اختيار ما شاء منهما»[4] فالقدرة على الاختيار متساوية في كلا الاتجاهين «وإنه خلق سبحانه في نفس الإنسان الاستعداد للفجور والتقوى معاً لأن الإنسان إنما يكون إنساناً بحريته وارادته»[5] ويكاد المعتزلة يتفقون مع الشيعة في الاكتساب، مع فارق في تحديد معنى الارادة عند الإنسان[6]، اما إذا ما تركنا التفسير القرآني جانباً لنستقرئ فكر الأخلاقيين المسلمين فسنجد مسكويه يقسم الأخلاق على قسمين: طبيعي ومكتسب[7]، الا اننا نعتقد بأن وجهة نظره تتمثل في ان الاكتساب هو الجانب الرئيسي في عملية اقتناء الأخلاق لأننا بمقارنتنا بين تعريف الغزالي للأخلاق وبين تعريف مسكويه لها نجد ان التعريفين يتفقان بأن الأخلاق «هيئة في النفس راسخة تصدر عنها الافعال بسهولة من غير حاجة إلى فكر ولا رؤية»[8] ويعرفها مسكويه بأنها «حال للنفس داعية لها إلى افعالها من غير فكر ولا رؤية»[9]ولو حاولنا فهم فحوى التعريفين من وجهة نظر الغزالي فسنجد ان قوله «هيئة في النفس راسخة» تعني ان النفس الإنسانية مزودة بجهاز غامض يمكنها من التقبل والاكتساب، وليس أدل على ذلك من تقسيمة هيئة الإنسان في اقتناء الأخلاق إلى اربعة اقسام)([10]).

الهوامش:
[1] للأخلاقيين آراء متضاربة حول القول بفطرية الأخلاق واكتسابها يمكن الاطلاع عند: مسكويه ـ تهذيب الأخلاق ص 51 وما بعدها، ومحمد بيضار - العقيدة والاخلاق ص 226 وما بعدها.
[2] الشمس/7، 8.
[3] تفسير الرازي 31/93/ وراجع أيضاً تفسير القرطبي 20/75، 76، وتفسير ابن كثير 6/420.
[4] الطبرسي - جوامع الجامع 2/850.
[5] محمد جواد مغنية ـ التفسير الكاشف 7/571.
[6] راجع ص 166 وما بعدها من هذا البحث وراجع معنى اللطف الذي يعول عليه الشيعة ص 183 من هذا البحث.
[7] راجع تهذيب الأخلاق ص 51.
[8] إحياء علوم الدين 3/52.
[9] تهذيب الأخلاق ص 51.
([10]) لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور جليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 414-415.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2872 Seconds