بقلم: الدكتور حسن طاهر ملحم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من تبوأ من الفصاحة ذروتها وأصبح بذلك أفصح العرب أبي القاسم محمد صلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين لا سيما الإمام علي عليه السلام أمير البيان..
وبعد:
(إنما أُكِلتُ يوم أُكِل الثور الأبيض) ([1])
المثل أورده ابن أبي شيبة ([2]) (ت235هـ) في حديث مسند عن عمير بن زوذي قال: خطبنا علي يوماً فقام الخوارج وقطعوا عليه كلامه. قال: فنزل فدخل: ودخلنا معه، فقال: ألا إنني إنما أكلت يوم أكلَ الثور الأبيض..... إلى نهاية حكاية الثلاثة أثوار المجتمعات مع الأسد في الأجمة، وأردفها ثم قال: ألا وإني إنما ذهبت يوم قتل عثمان.
وذكر ذلك ابن منظور ([3]): قول علي كرم الله وجهه (إنما أكلت... عني به عثمان، لأنه كان سيداً وجعله ابيض لأنه كان أشيب والثور: السيد وبه كنى عمرو بن معد يكرب، أبا الثور وهذا تهذيب للمثل من لدن الإمام علي عليه السلام.
ونص على هذا الكلام الزبيدي معتمداً على من سبقوه ([4]).
والمثل أورده أبو هلال بهذه الصورة: (أكلت يوم أكل الثور الأسود) ([5]) وعلق عليه: يضرب مثلاً للرجل فقد ناصره، فلحقه الضيم من عدوه.
وهو من أمثال كليلة ودمنة([6])، وأمثال كليلة ودمنة للفيلسوف الهندي بيدبا ترجمها ابن المقنع المتوفى (143هـ) زمن خلافة المنصور من اللغة الهندية إلى العربية، فيكون تمثل الإمام علي بالمثل آنذاك، وإبدال صيغته من الثور الأسود إلى الثور الأبيض صائبة، ونحن هنا أمام إشكال لابد من فهمه فقد نوه العسكري بأن المثل من أمثال كليلة ودمنة كما اتضح وترجمة الكتاب من قبل ابن المقفع بعيدة زمنياً عن تاريخ قول الإمام له، فتكون نسبة قول الإمام للمثل هو قوة بلاغية وسعة اطلاع على حضارات العالم من خلال هذه الافرازات المثلية المنقولة من عالمه الخارجي أو كان من توارد الخواطر الفكرية العملاقة التي تفرزها عقول الحكماء والعقلاء وأصحاب التجارب لتكون شواهد على عظمتهم ورواية الميداني للمثل تؤكد قوله([7]): عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: إنما مثلي ومثل عثمان كمثل أثوار ثلاثة كن في أجمة، ولم يذكر تمثيل الإمام (عليه السلام) بقول كليلة كما ادّعاه العسكري خطأً.)([8]).
الهوامش:
([1]) الميداني: مجمع الأمثال، 1/40.
([2]) ابن أبي شيبه الكوفي (ت235هـ) المصنف، تحقيق: سعيد اللحام، دار الفكر، بيروت، 1989م،8/743.
([3]) لسان العرب 4/109.
([4]) تاج العروس 6/154.
([5]) أبو هلال العسكري: جمهرة الأمثال 1/70.
([6]) المصدر السابق، 10/40.
([7]) مجمع الأمثال، 1/40.
([8]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الأمثال العربية ومدلولاتها التاريخية في كتاب نهج البلاغة، للدكتور حسن طاهر ملحم، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، 228-229.