بقلم: السيد نبيل الحسني.
بسم الله الرحمن الرحيم والحمّد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه محمّد وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
فمما ورد في عهده (عليه الصلاة والسلام) لمالك الأشتر (رحمه الله)، أنه قال: «امْلِكْ حَمِيَّةَ أَنْفِكَ، وسَوْرَةَ حَدِّكَ، وسَطْوَةَ يَدِكَ، وغَرْبَ لِسَانِكَ، واحْتَرِسْ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ بِكَفِّ الْبَادِرَةِ وتَأْخِيرِ السَّطْوَةِ، حَتَّى يَسْكُنَ غَضَبُكَ فَتَمْلِكَ الِاخْتِيَارَ، ولَنْ تَحْكُمَ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِكَ، حَتَّى تُكْثِرَ هُمُومَكَ بِذِكْرِ الْمَعَادِ إِلَى رَبِّكَ».
والنص الشريف يشتمل على جملة من المباحث الأخلاقية وأثرها في تنمية الذات ولاسيما تحديده العوامل الأساس في تكوين سوء الخلق فيجعل (عليه السلام) أول الرذائل الكاشفة عنه، أي سوء الخلق بالمعنى الأعم هو حمية الأنف، وذلك لكاشفيته عن سوء المزاج ورداءة الطبع وهو الأصل الذي يتفرع منه الرذائل الثلاثة الأخرى، أي سَوْرة الحد، وسَطْوَة اليد، وغَرْبَ اللسان. فما هي حمية الأنف؟
إنّ معنى (حمية الأنف) في اللغة مأخوذ من قول العرب: (شمخ بأنفه، ورغما لأنفه، لأنّ أنف كلّ شيء أوّله، وأنف المعدة أوّله.
قال أمرؤ القيس:
قــد غــدا يـحـملني فـي أنفه لا حق إلا يطل محبوك مهر
وقولهم: يقبل رغما لأنفه، لأن الأنف أوّل عضو يصل الى الأرض عند السجود؛ وشمخ بأنفه، أخذ ذلك من أنف البعير؛ وكذا حمية الأنف، لأنّ البعير الهائم يحمى أنفه من الخشاش ويمتنع على قائده)[1].
والأمر -هنا- منه (عليه السلام) لمالك الأشتر بملك حمية أنفه كناية عن الشموخ الذي يأخذ بالإنسان إلى التعالي على الآخرين فيرى لنفسه منزلة فوقهم وأنهم دونه في العز والرفعة فيتعالى عليهم ويستنكف من التعامل معهم ومجالستهم والحديث معهم.
وكذلك يراد به فورة الغضب الذي يحدث للإنسان حينما يرى أنه قد مُسَّ بشأنيته وعنوانه وشخصه أو شأنية قومه وحسب أبائه، ومن ثمّ يتسارع في أخذ القرار ويقع في ظلم الآخرين، ولاسيما إذا كان الإنسان في محل الابتلاء المباشر الذي يفرضه عنوانه ومهامه ووظيفته كالرئاسة والقيادة والإدارة وأقلها قيموميته على أهله وعياله فينهال عليهم بالسوء والبغضاء والنفرة، ولعل حمية الأنف التي يبتلى بعض الناس هي أحد الاسباب الأساس في تهديم الأسرة، فضلا عن العلاقات الشخصية والاجتماعية، فكيف إذا كان الأنسان في محل القيادة والإدارة وما يترتب عليه من مهام وتعمل مباشر مع الناس، فمما لا ريب فيه أنه يقع في ظلمهم ، والعلة فيه أنه مبتلى بحمية الأنف، فكيف إذا اقرن إليها الرذائل الثلاثة الأخرى التي حددها (عليه السلام) في عهده لمالك الأشتر –يتبع- [2].
الهوامش:
[1] معارج نهج البلاغة، علي بن زيد البيهقي: ص390
[2] لمزيد من الاطلاع، ينظر: فقه صناعة الإنسان، الأوامر والنواهي في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الاشتر (رحمه الله)، دراسة في ضوء أصول الفقه والأخلاق، السيد نبيل الحسني، ص 168- 169/ مع بعض الإضافة، إصدار: مؤسسة علوم نهج البلاغة- العتبة الحسينية المقدسة، ط 1- دار الوارث كربلاء المقدسة 2023م.