بقلم: د. جليل منصور العريَّض
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.
أما بعد:
القدوة هو المثال أو النموذج والاقتداء، هو النظر في اقوال وافعال ذوي الأخلاق الفاضلة والاعمال الحميدة، والاخذ بأحسنها، فلكل انسان، مهما عظم شأنه، قدوة، حتى النبي صلى الله عليه وآله، فقد جاء في قوله تعالى:
{أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ}([1]) فالآية الكريمة، أمر من الله سبحانه إلى رسوله صلى الله عليه وآله ، بأن يأخذ بمسلك من سبقه من الرسل، والسير على نهجهم، والاسلام يلزم الفرد المسلم بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله ، في أقواله وأفعاله وأخلاقه، فقد أثر عن الرسول صلى الله عليه وآله «فمن اقتدى بي فهو مني ومن رغب عني فليس مني»([2])، لذلك فقد اتبع علي عليه السلام الرسول صلى الله عليه وآله «اتباع الفصيل أثر امه»([3]). فكان صلى الله عليه وآله قدوته ومثله الأعلى الذي لم يحد عن سنته ما في قوله إلى طلحة والزبير ضمن حوار بينه وبينهما بعد توليه الخلافة «لما أفضت إلي، نظرت إلى كتاب الله وما وضع لنا وأمرنا بالحكم به فاتبعته، وما استن النبي فاقتديته»([4]). ولقد كان من أهم أهدافه أن يسير بالأمه على الدرب الواضح الذي اختطه الرسول صلى الله عليه وآله، فما أثر عنه في ذلك قوله «اقتدوا بهدي نبيكم فإنه افضل الهدى، واستنوا بسنته فإنها أهدى السنن»([5]). فمن خلال معايشته للنبي صلى الله عليه وآله وممارسته العملية لأخلاقه والارتواء من معينها الصافي الثر، تكون لديه اقتناع تام بتأثير القدوة في تصرفات الفرد، ويبدو ذلك ضمن وصيته لابنه الحسن عليه السلام بقوله «واعلم يا بني أن أحب ما أنت آخذ به إليّ من وصيتي، تقوى الله والاقتصار على ما فرضه الله عليك، والاخذ بما مضى عليه الأولون من آبائك، والصالحون من أهل بيتك»([6])فالاقتداء بالمثال الجيد يمد الأخلاق بشمولية واتساع، مثلها في ذلك مثل الإفادة من تجارب الآخرين يتأملها بإمعان ومن ثم إضافة خلاصتها إلى التجربة الخاصة، فتصير أكثر عمقاً، وأشد احكاماً لذلك فلابد ان يكون «لكل امام مأثور يقتدي به ويستضيء بنوره»([7])فمن الاجدى ان يختار الفرد قدرته الصالحة التي تستطيع أن تمده بروافد غنية من مخزونها الأخلاقي الذي يعود عليه بالسعادة ويجعله منسجماً مع أفراد مجتمعه)([8]).
الهوامش:
([1]) الانعام/90.
([2]) مسند الإمام أحمد 5/409.
([3]) خطب ـ 240 ـ الفقرة ـ26.
([4]) خطب ـ 199.
([5]) خطب ـ 109.
([6]) رسائل ـ 31 الفقرة 7.
([7]) رسائل ـ 45ـ فقرة 2.
([8]) لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور جليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 425-427.