من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة، الفاظ قيود الإبل وأزمتها/ 2- خِطَامها قال عليه السلام ((وَلَقَدْ نَزَلَتْ بِكُمُ الْبَلِيَّةُ جَائِلاً خِطَامُهَا))

مقالات وبحوث

من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة، الفاظ قيود الإبل وأزمتها/ 2- خِطَامها قال عليه السلام ((وَلَقَدْ نَزَلَتْ بِكُمُ الْبَلِيَّةُ جَائِلاً خِطَامُهَا))

618 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 24-09-2024

بقلم: د. حسام عدنان الياسري.

الحمد لله الذي علا بحوله، ودنا بطوله، مانع كل غنيمة وفضل، وكاشف عظيمة وأزل، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الاطهار.

وبعد:

خِطَامها

الخَطْم مُقَدَّم أنْف البعير وفَمه([1]). وهو ما يوضع فيه (الخِطَامُ)، وهو حبل يُجْعَل في شفَار من حَدِيْد يُجعل في خَطْم البَعِيْر([2]). وقيل: هو كل ما وُضع في أنْف البَعِير ليُقَاد به([3]). وقد وصف ابن الأثير (الخِطَامَ) بتفصيل دقيق، فذكر أنّ الخِطام حَبْل من لِيْف أو شعر، أو كِتَّانٍ يُجْعَل في أحد طرفيه حَلْقَة، ثم يشَد فيه الطرف الآخر من الحَبلِ حتى يَصِيرَ كالحَلْقَة فيُقلّدُ به البَعِير، ثُمّ يُثْنَى على مَخْطَمه ([4]). وقد تكررت لفظة (خِطَامها) ثلاث مرات في نهج البلاغة([5]). للدلالة على خطَام النّاقَة الذي يُشَدُّ على خِطْمها. وقد وظّف الإمام هذه المفردة في سياقات ناقلاً إياها من مجالها الدلالي الذي تشتغل فيه بوصفها من لوازم قياد الدّابة. موظفاً إياها في الدلالة على البَلِيَّة والفِتْنَة التي تنمو مضطربة هَوْجَاءَ، يريد بذلك فِتَن بنيِ أُمّية، وبقية الفِتن التي تعثر بخطامها. ومن ذلك قوله في سياق التّحذير: ((وَلَقَدْ نَزَلَتْ بِكُمُ الْبَلِيَّةُ جَائِلاً([6]) خِطَامُهَا، رِخْواً بِطَانُهَا ([7])، فَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ مَا أَصْبَحَ فِيهِ أَهْلُ الْغُرُورِ...))([8]). والإمام (عليه السلام) يُجَسِّد البَلِيّة، ويجعلها كالبَعِيرِ الهَائج الذي يكون خِطَامه رخواً غير مُسْتُقِر، وهو ما يزيد من صعوبة السيطرة على هذهِ الدَّابة حينذاك، وكذلك (البَليَّة) التي يتحدث عنها الإمام مكنياً بها عن فِتْنَةُ معاوية وبني أمية ([9]) التي تبدو هائجة ثائرة لا يمكن المَسْك بِزِمامها؛ لأنه جائل رَخْو كخطام البَعِيْرِ الهائج الذي يمكن لا الإمساكُ به. ومما عَزّز خطر هذهِ (البَلِيَّة)، وَصْف (بِطَانِها)، (بالرَّخْو)، والبِطَان هو الحِزام الذي يُشَدُّ به القَتَب، ويكون تحت بَطن البَعِيْر ([10])، فإن أُرِخِي تَقَلْقَلَ القَتَب وأوشك الراكب أنْ يَقَعَ. وبهذا يُفِلت الزِّمَام ويَعْرِض الراكب للأذى. وأما استعمال مفردة (خِطَام) بدلاً من (زِمَام) في هذا السياق؛ فيبدو لي أنّ (الخِطَام) أوثق ارتباطاً بالناقة، وأكثر فائدة في جَذْبِها والسيطرة عليها به، ولا سيمّا عند نِفارها وصعوبة قيادتها. (فالخِطَام) يُدار على فم الدَّابة وأنْفِهَا فيكون أشبه بلجام الفرس، فضلاً عن قوة مَنَعَتِه من الإفْلاَت. في حين أنّ (الزِّمامَ) خَيْط، أو حَبْل يُشَدّ في خِشَاش الناقة، ثم يُشَد في طَرَفِه المِقْوَد الذي تقادُ به الدَّابّة ([11]) وهو - كما يبدو من وَصف اللغويين له - أَقَلُّ منعة في كَبْحِ جِمَاح البَعِير المَشْدُود بِزِمَامِهِ من الخِطَام. ولمّا كان السِّياق الذي يتحدث فيه الإمام (عليه السلام) سياق وصف فِتْنَة هوجاء لا تُبْقِي ولاتَذَر كما يقال. لهذا وظّف هذهِ المفردة مع مفردة (رخَوْاً) و (بِطَانُهَا)؛ للدلالة على صعوبة الوقوف بوجه هذه البَلِيّة مع كل ما يملكه المرء المسلم من وسائل كبحها والوقوف بوجهها من قيم خلقية واسلامية، فضلاً عن العقيدة الرَّاسخة. وهذه القيم هي أشبه ما تكون بـ(خِطَام النَّاقَةِ) و (بِطانها) الذين يكون بها السَّبِيْل لكْبح جِماح البَعِير الهائج. (([12])).

الهوامش:
([1]) ينظر: العين (خطم): 4/226، والمصباح المنير: 1/174.
([2]) ينظر: العين (خطم): 4/226.
([3]) ينظر: المحكم (خطم): 5/128، ولسان العرب (خطم): 12/187.
([4]) ينظر: النهاية في غريب الحديث: 2/50، وتاج العروس (خطم): 32/114.
([5]) ينظر: المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة: 136.
([6]) الجِاِئِلُ السَّلِسُ الزّائل عن مكانه. ينظر: لسان العرب (جول): 11/132.
([7]) البِطَاَنُ الحِزاَم الذي يُشَدُّ به القتبُ على ظهر البعير، ويُشَدّ في اسفَل بطن البعير. ينظر: لسان العرب (بطن): 113.
([8]) نهج البلاغة: خ /89: 146.
([9]) ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد): 6/303.
([10]) ينظر: لسان العرب (بطن): 13/57.
([11]) ينظر: لسان العرب (زمم): 12/272، وتاج العروس (زمم): 32/328.
([12]) لمزيد من الاطلاع ينظر: ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: للدكتور حسام عدنان رحيم الياسري، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 93-94.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2847 Seconds