بقلم: د. جليل منصور العريَّض
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدم والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين.
أما بعد:
الحقوق التي يتعين على الفرد مزاولتها لتكتمل سعادته ـ كما يرى علي عليه السلام ـ متعددة منها:
حق الوالد وحق لولد:
إذا تمكن الإنسان من ايفاء نفسه حقها بإنزالها المنزلة التي تستحقها، استطاع أيضاً من ايفاء حق الآخرين عليه ابتداء بمحيطه الاسري. فمن الحقوق الأخلاقية الواجبة على الإنسان تجاه اسرته، حق الولد على الوالد، ولا نعني بالحق هنا تهيئة الملبس والمسكن، فتلك حقوق مفروغ من تأديتها تجاه من نعولهم، ولكن ثمة حقوق أخلاقية الهدف من ورائها اعداد الفرد ليتحمل مسؤوليته في المجتمع، وهي الحقوق التي يرمي علي عليه السلام إلى توضيحها من خلال فكره الأخلاقي حين يقول «حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه ويحسن ادبه ويعلمه القرآن»([1]). فحقوق الابن على أبيه تتمثل في إعداده للحياة، وتهيئة نفسه تهيئة سوية. فتحسين الاسم يعني في مضمونه تجنيبه الانفعالات النفسية، من مضايقات الناس، الذين يجنحون إلى كل ما هو حسن وجميل، وينفرون من كل ما هو قبيح في منظره وفي تسميته، ثم ان الأدب المتضمن جميع القيم الخلقية والمعاملات الإنسانية، يكسب الإنسان القبول والاحترام في مجتمعه، اما العلم فهو السلاح الذي يستطيع به دفع غائلة الزمن بتخطي صعوبات الحياة، ويلاحظ ان علياًg قد قصر واجب الأب على التعليم الأساسي ابتداء بالقرآن الكريم، لكون ذلك التعليم الابتدائي يأتي من الاكتساب المفروض والمقرون بالمراقبة، لأن سن المتعلم تتطلب ذلك، اما اكتساب التعليم التالي لتلك المرحلة فينبع من ذات الفرد، وإقناعه الفكري بتوجيه نفسه بنفسه. وفي المقابل أيضاً فإن للوالد على الولد حقوقاً يجب أن يستوفيها كلامة من أهمها، في فكر علي عليه السلام ، الطاعة، «في كل شيء إلا في معصية الله سبحانه»([2]) وتأدية الطاعة بمفهومها الشامل لا تعني ـ كما نعتقد ـ رد الجميل على ما بذله الوالد تجاه ولده، لأن ما أعطاه الأب لابنه، هو في جوهره حق من حقوقه الإنسانية، وأما ما يقوم به الابن تجاه أبيه من طاعة فهو حق من حقوق الأب الطبيعية، لأن الأب في أوامره ونواهيه، إنما يضع مصلحة الابن فوق مصلحته الذاتية، وتتمثل القيمة الحقيقية للابن في نفس الأب في قول علي عليه السلام لابنه الحسن ضمن وصيته له «... وجدتك بعضي، بل وجدتك كلي، حتى كأن شيئاً لو أصابك أصابني وكان الموت لو أتاك أتاني»([3]) فالحقوق التي يعنيها علي عليه السلام ويوجب على الابن تأديتها، إنما يعني قبوله للنصح وتمثله للأخلاق، علاوة على ذلك البر به وبأمه واحترام التقاليد الأسرية، فمتى صار التجاوب بين الأطراف داخل المجتمع الصغير منسجماً بتأدية حقوق كل لكل، فإنه لا محالة من انعكاس ذلك التجاوب على جميع محاور المجتمع الكبير ابتداء بالأصدقاء)([4]).
الهوامش:
([1]) حكم ـ 407.
([2]) حكم ـ 407.
([3]) رسائل ـ 31 فقرة 2.
([4]) لمزيد من الاطلاع ينظر: فكر الإمام علي عليه السلام كما يبدو في نهج البلاغة: للدكتور جليل منصور العريّض، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 445-447.