من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة علف الإبل واجترارها وعطشها 5- العِطَاش قال عليه السلام ((فَخَالَفُوا إلى الْمَعَاطِشِ وَالْـمَجَادِبِ))

مقالات وبحوث

من ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة علف الإبل واجترارها وعطشها 5- العِطَاش قال عليه السلام ((فَخَالَفُوا إلى الْمَعَاطِشِ وَالْـمَجَادِبِ))

137 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 26-03-2025

بقلم: د. حسام عدنان الياسري.

الحمد لله الذي علا بحوله، ودنا بطوله، مانع كل غنيمة وفضل، وكاشف عظيمة وأزل، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله الاطهار.

وبعد:
المَعَاطِش هي مواقيت الإضماء([1]). وتطلق هذه الكلمة على الأرض التي لا ماء بها([2]).
وقد وردت المفردة المتقدمة في نهج البلاغة مرة واحدة([3])، للدلالة على الأرض التي لا ماءَ فيها. وأورد الإمام هذه الدلالة في سياق التمثيل الذي ضَرَبه لبعض أهل البصرة الذي أرسله قومه إلى أمير المؤمنين لما قَرُب منها؛ ليعلم حالهم مع (أصحاب الجَمَل). فَبيّن له الإمام أمرهم مع هؤلاء، ثم قال له: بَايع. فقال الرَّجُل: إني رَسَوْل قَومٍ ولا أحدِثُ حَدثاً حتى أرْجِع إليهم([4]). فقال له (عليه السلام): ((أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ الَّذِينَ وَرَاءَكَ بَعَثُوكَ رَائِداً تَبْتَغِي لَهُمْ مَسَاقِطَ الْغَيْثِ، فَرَجَعْتَ إلَيْهِمْ وَأَخْبَرْتَهُمْ عَنِ الْكَلأ وَالْمَاءِ، فَخَالَفُوا إلى الْمَعَاطِشِ وَالْـمَجَادِبِ([5])، مَا كُنْتَ صَانِعاً؟ قال: كُنْتُ تَارِكَهُمْ وَمُخَالِفَهُمْ إلى الْكَلأ وَالْمَاءِ. فَقَالَ لَهُ (عليه السلام): فَامْدُدْ إذاً يَدَكَ.))([6]) فقال الرَّجُل: ((فو الله ما استَطَعْتُ أنْ امْتنَع عند قيام الحُجة عليَّ، فبايعْتُهُ(عليه السلام))([7]). وقد أجمع الشُراح على لُطف هذا التمثيل الذي تمثّل به أمير المؤمنين، فإنّه أوقَعُ في النَّفس وأوضح في الحُجّة([8]). فقد جعل المخاطب رائداً لأهله، والرًّائد هو الذي يبعثه قومه ليِرودَ لهم مواضع الكلأ والمنازل ومساقط الغيث فينظر، ليختار لهم أفضلها([9]). فلا يكون إلا صادقاً في إرشادهم، ووجب عند ذلك أنْ يصدّقوه. ولهذا مَثّل الإمام حال الرّجل بذلك؛ لأنّ قومه أرسلوه ليستطلع لهم خبر طرفي القتال في معركة (الجمل)، لما وقع في حالهم من الاشتباه والشك. وقد أراد (عليه السلام) استمالة الرّجل واقناعه بالحجة الغالبة، فصّور له المسألة بهذهِ الصورة المشتملة على صِدقْ (الرَّائد) مع ملاحظة أنّ هذا الشخص هو (رائد) أيضاً في موقفه مع الإمام؛ لأنه مبعوث قومه، ولكن إلى تتبع مواطن الخير والحق، ومعرفة مساقط الفضائل والهداية، فإنْ ظهرت له، عَلَم - عند ذاك - مواضع العطش والجدْب. وقد أبان له الإمام بكلامه الفارق بين الأمرين اللّذَين مثّل لهما بـ(مَساقِطِ الغَيْث)، في إشارة إلى نفسه ومعسكره، وبـ(المِعاطِش والمَجَادَب)، إشارة إلى أصحاب الجَمَل. فكأنّه (عليه السلام) تلمسَّ الخَير كَلّه بالغيث الذي يُغيْث الناس، ويملأ الأرض بالعشب والكلأ والنّعم، و تحيا به النّاس والنَّعم، بخلاف المعاطِش من الأراضي الخالية التي لا ماءَ فيها فيكون صاحبها عطشان أبداً([10])، فإنها تمنع من الرّحمة والخير عن الناس، فتضطرهم إلى مجانبتها، ولاسيما إذا اقترنت بالجدب والقحط ومواضع المَحْل والعَيْب والتنقُصَّ إلى لا تكاد تخصب، فيلزمها القَحطُ([11]).
وخيّر الإمام الرجل بين هذين الأمرين، فإذا صدق أهله بذكر لهم مواضع الماء والكلأ، فخالفوه إلى غيرها، فإنهم هلكوا بذلك، لما تقدم من انعدام الماء والخصب في غير ذلك المواضع، ولهذا سأله الإمام عن موقفه في ذلك، فذكر أنه تاركهم ومخالفهم إلى الكلأ والماء. وبهذا ألْزمَه الإمام الحجّة.)([12]).

الهوامش:
([1]) ينظر: العين (عطش): 1/1/243، وتهذيب اللغة (عطش): 1/ 58.
([2]) أنفسهما.
([3]) ينظر: المعجم المفهرس لالفاظ نهج البلاغة: 306.
([4]) ينظر: نهج البلاغة: خ / 170: 307، 308.
([5]) الجَدْب نقيض الخصب. ينظر: لسان العرب (جدب): 1/254.
([6]) نهج البلاغة: خ / 170: 308.
([7]) نفسه.
([8]) ينظر: شرح نهج البلاغة (ابن أبي الحديد): 9/229، وشرح نهج البلاغة (البحراني): 3/677.
([9]) ينظر: العين (رأد): 8 / 62.
([10]) ينظر: مع نهج البلاغة: 263.
([11]) ينظر: لسان العرب (جدب): 1/256، والقاموس المحيط (جدب): 1/ 84.
([12])لمزيد من الاطلاع ينظر: ألفاظ الحياة الاجتماعية في نهج البلاغة: للدكتور حسام عدنان رحيم الياسري، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 119-121

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3623 Seconds
BESbswy