الدنيا في كلام له (عليه السلام) إلى كميل بن زياد النخعي

سلسلة قصار الحكم

الدنيا في كلام له (عليه السلام) إلى كميل بن زياد النخعي

130 مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 24-12-2025

بقلم السيد عبد الحسين الغريفي المشهدي

الحمد لله رب العالمين، ثم الصلاة والسلام على سيّد الخلق أجمعين سيدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى وعلى آله الطيبين الطاهرين، واللعن الدائم على اعدائهم أجمعين من الآن إلى قيام يوم الدين.

وبعد:
... اللَّهُمَّ بَلَى! لَا تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ: إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً، أَوْ خَائِفاً مَغْمُوراً، لَئِلَّا تَبْطُلَ حُجَجُ اللَّهِ وَبَيِّنَاتُهُ.
وَكُمْ ذَا وَأَيْنَ أُولَئِكَ؟ أُولَئِكَ - وَاللَّهِ - الْأَقَلُّونَ عَدَداً، وَالْأَعْظَمُونَ قَدْراً، (بِهِمْ يَحْفَظُ اللَّهُ حُجَجَهُ وَبَيِّنَاتِهِ) حَتَّى يُودِعُوهَا نُظَرَاءَهُمْ، وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ، هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الْبَصِيرَةِ، وَبَاشَرُوا رُوحَ الْيَقِينِ، فَاسْتَلَانُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ، وَأَنِسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الْجَاهِلُونَ، وَصَحِبُّوا الدُّنْيَا بِأَبْدَانٍ أَرْوَاحُهَا مُعَلَّقَةٌ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى أُولَئِكَ خُلَفَاءُ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ، وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ ، آهِ آهِ شَوْقاً إِلَى رُؤْيَتِهِمْ ! (انْصَرِفْ إِذَا شِئْتَ)([1]).

شرح الألفاظ الغريبة:
مغموراً: غمره الظلم حتى غطاه، فهو لا يظهر: اسْتَلَانُوا: عدوا الشيء ليناً؛ اسْتَعْوَرَهُ: عَدّه وَعْراً خَشِناً؛ المُتْرَفُونَ: أهل الترف والنعيم([2]) .

الشرح:
عنى [عليه السلام] بحامله [العلم] نفسه من عساه يكون من أهله يومئذٍ. ثمّ استدرك بقوله: اللّهمّ بلى عدم خلوّ الأرض من قائم لله بحجّة إما ظاهراً أو مستتراً مغموراً في الناس. وأراد بالظاهر من عساه يتمكن من إظهار العلم والعمل به من أولياء الله وخلفاء أوليائه في موضع من الأرض، وبالخائف المغمور إلى من لم يتمكن من ذلك.
قالت الشيعة: هذا تصريح منه الله بوجوب الإمامة بين الناس في كل زمان مادام التكليف باقياً، وأن الإمام قائم بحجة الله على خلقه ويجب بمقتضى حكمته، وهو إما أن يكون ظاهراً معروفاً كالذين سبقوا إلى الإحسان ووصلوا إلى المحل الأعلى من ولده الأحد عشر؛ وإما أن يكون خائفاً مستوراً لكثرة أعدائه وقلة المخلص من أوليائه كالحجة المنتظر لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
وقوله: «وكم ذا»: استبطاء لمدة غيبة صاحب الأمر وتبرم من امتداد دولة أعدائه.

وقوله: «أين هم»: استقلال لعدد أئمة الدين، ولذلك نبه بقوله: «أولئك والله الأقلون عدداً». وذكر في معرض مدحهم أوصافاً:
أحدها: الأقلون عدداً الأعظمون قدراً عند الله.
الثاني: أنّ بهم يحفظ حججه وبيناته المشتمل عليها دينه حتّى يودعوها أمثالهم ويزرعوها في قلوب أشباههم بعدهم.
الثالث: كونهم: «يهجم بهم العلم على حقيقة البصيرة»: أي فاجأهم ودخل على عقولهم دفعة لأن علومهم لدنية حدسية، وقيل: ذلك على المقلوب: أي هجمت بهم عقولهم على حقيقة العلم.
الرابع: «وباشروا روح اليقين»: أي وجدوا لذّته.
الخامس: «واستلانوا ما استوعر منه المترفون» من الأمور الشاقة كجشوبة المطعم وخشونة المضجع والملبس ومصابرة الصيام والسهر، وذلك في جنب ما وجدوه من لذة اليقين وحلاوة العرفان هين لين عندهم.
السادس: «وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون» وهو الأحوال التي ألفوها ممّا ذكرنا فإن الجاهل الجهله بثمرتها ينفر منها ويستوحش من أهلها.
السابع: «وصحبوا الدنيا بأبدان أرواح معلّقة بالمحلّ الأعلى»: عاشقة لما شاهدته من جمال حضرة الربوبية وصحبة الملأ الأعلى من الملائكة، ولما ما ميزهم بالأوصاف المذكورة أشار في معرض مدحهم أيضاً إلى أن هؤلاء لما اشتملوا عليه من هذه الأوصاف هم خلفاء الله في أرضه والدعاة إلى دينه.
ثم تأوه شوقاً إلى رؤيتهم و - ه - كلمة توجع أصلها ـ أوه ـ والفصل من أفصح ما نقل عنه([3]))([4]).

الهوامش:
([1]) نهج البلاغة لصبحي صالح : ٤٩٧ / ضمن كلام له عليه السلام لكميل بن زياد رقم ١٤٧، وما بين القوسين فيه : انصرف يا كميل إذا شئت، نهج الشيخ العطار : ٦٦١ ضمن كلام له عليه السلام لكميل رقم ١٣٧. وشرح نهج البلاغة لابن ميثم 5: 322/ ضمن ما قاله عليه السلام لكميل رقم ١٣٤، ونهج الشيخ محمد عبده ۲ :۱۸۰ ضمن كلام له لكميل.
([2]) شرح الألفاظ الغريبة: 718.
([3]) شرح نهج البلاغة لابن ميثم 5: 326-327/ ضمن شرح كلامه عليه السلام لكميل رقم 134.
([4]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الدنيا في نهج الإمام علي عليه السلام: السيد عبد الحسين الغريفي، ط: مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 345-348.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.1143 Seconds