مقدمة في مصادر نهج البلاغة

مقالات وبحوث

مقدمة في مصادر نهج البلاغة

5K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 20-03-2016

مقدمة في مصادر نهج البلاغة

للشيخ حسن حسن زاده الآملي

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي هدانا للتمسك بولاية خير العتر ، عترة خاتم الأنبياء - صلى الله عليه وآله وسلم - الذين أولهم آدم الأولياء وسيد الأوصياء ، وآخرهم قائمهم خاتم الأولياء ، خزائن الوحي ومفاتح الغيب .

قد قيض الفياض على الإطلاق لنا الغوص والخوض في طائفة من كلام الناطق بالصواب : \إنا لأمراء الكلام وفينا تنشبت عروقه وعلينا تهدلت غصونه \ ، وقد نضد ما اقتني من دررها ولآلئها في سلك خمس مجلدات مرصفة مسماة ب‍ \ تكملة منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة \ وقد طبعت غير طبعة .

وكان مما يهمنا في ذلك الشرح تحصيل إسناد ما في النهج وذكر مصادره ومآخذه من الجوامع الروائية والمجاميع التي ألفت ودونت قبل جامع النهج ، الشريف الرضي - رضوان الله تعالى عليه - مثل :

الجامع الكافي ، لثقة الإسلام الكليني ، المتوفى سنة 328 ه‍ ، على أحد قولي شيخ الطائفة الطوسي - قدس سره القدوسي - أو سنة 329 ه‍ ، على ما قاله النجاشي - رحمة الله عليه - .

والبيان والتبيين ، لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ ، المتوفى سنة 255 ه‍ .

والكامل ، لأبي العباس محمد بن يزيد ، المعروف بالمبرد ، المتوفى سنة 285 ه‍ .

والكتاب المعروف بتاريخ اليعقوبي ، لأحمد بن أبي يعقوب الكاتب ، المتوفى سنة 246 ه‍ كما في الكنى والألقاب للمحدث القمي ، أو حدود سنة 292 ه‍ على قول آخر .

وتاريخ الأمم والملوك ، المعروف بتاريخ الطبري ، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري الآملي ، المتوفى سنة 310 ه‍ .

وكتاب صفين ، للشيخ الأقدم أبي الفضل نصر بن مزاحم المنقري التميمي الكوفي، من جملة الرواة المتقدمين ، بل هو في درجة التابعين ، كان من معاصري الإمام محمد بن علي بن الحسين عليهم السلام ، باقر العلوم ، وكأنه كان من رجاله عليه السلام ، وأدرك الإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام كما في \ الخرائج \ للراوندي رحمه الله تعالى، وكانت وفاة نصر سنة 212 ه‍ .

وكتب الشيخ الأجل المفيد - رضوان الله عليه - المتوفى 413 ه‍ ، لا سيما ما نقل في كتبه بإسناده عن المؤرخ المشهور محمد بن عمر بن واقد الواقدي المدني ، المتوفى سنة 207 ه‍ .

وكتاب الإمامة والسياسة ، المعروف بتاريخ الخلفاء ، من مؤلفات عبد الله بن مسلم ابن قتيبة الدينوري ، المتوفى سنة 276 ه‍ .

ومروج الذهب ومعادن الجوهر في التاريخ ، لأبي الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي، المتوفى سنة 346 ه‍ .

وكتب أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي ، المشتهر بالشيخ الصدوق - رضوان الله تعالى عليه - ، المتوفى سنة 381 ه‍ .

وكتاب الغارات ، لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن سعيد الثقفي الكوفي الأصبهاني ، المتوفى سنة 283 ه‍ .

وغيرها من الكتب الأصيلة المعتمد عليها للعلماء الأقدمين الذين كانوا قبل الرضي جامع النهج ببضع سنين إلى فوق مائتين ، وهو رضوان الله عليه توفي سنة 406 ه‍ من هجرة خاتم النبيين.

وما هذه المصادر إلا أنموذج لكثير مما يمكن أن يندرج معها .

وإنما حدانا على ذلك طعن بعض المعاندين من السابقين واللاحقين بل المعاصرين على النهج بأنه ليس من كلام أمير المؤمنين عليه السلام بل هو مما وضعه الرضي أو أخوه المرتضى فنبه إليه !

وقد نقل القاضي نور الله الشهيد - رحمه الله تعالى - في \ مجالس المؤمنين \ - عند ترجمة الشريف المرتضى علم الهدى أخي الرضي جامع النهج - من تاريخ اليافعي ما نصه : \ وقد اختلف الناس في كتاب نهج البلاغة المجموع من كلام علي بن أبي طالب عليه السلام ، هل هو جمعه ، أو أخوه الرضي ؟ وقد قيل إنه ليس من كلام علي بن أبي طالب ، وإنما أحدهما هو الذي وضعه ونسبه إليه \ .

أقول : الظاهر أن اليافعي أخذ هذا الطعن من القاضي ابن خلكان في \ وفيات الأعيان \ ونقله بألفاظه في تاريخه والقائل واحد ، وقد قاله القاضي عند ترجمة علم الهدى ، واليافعي توفي سنة 767 ه‍ ، وابن خلكان توفي سنة 681 ه‍ ، إلا أن ابن خلكان قال - بعد قوله في اختلاف الناس أنه ليس من كلامه - : وإنما الذي جمعه ونسبه إليه هو الذي وضعه .

أقول : والفرق بينهما أن الواضع على عبارة اليافعي هو علم الهدى أو أخوه الرضي، وأما على ما في الوفيات فيمكن أن يكون غيرهما .

ثم إن تلك الشبهة الواهية ليست بتلك المثابة التي قال فيها اليافعي : \ وقد اختلف الناس \ ، بل تفوه بها معاند هتاك لم يتفحص في الجوامع الروائية والصحف العتيقة ، ولم يكن عارفا بأنحاء الكلام . . . وإلا فكيف يجترئ العالم الخبير المتتبع الباحث عن فنون الكلام أن ينحل الكلام الذي هو دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق إلى من نسبة منشآته وأشعاره وسائر كلماته إلى ما أفاضه أمير المؤمنين عليه السلام كنسبة السها إلى البيضاء ! ؟

وقد كلت الألسن أن تتمجمج بإتيان خطبة من خطب النهج لفظا أو معنى، والخطباء الذين يشار إليهم بالبنان ، وتثنى عليهم الخناصر في المحاضر ، كلهم عياله عليه السلام ، ومن الآخذين عنه .

وقد تحيرت دون كتبه ورسائله وخطبه وحكمه العقول ، وخضعت لها أفكار الفحول ، لاشتمالها على اللطائف الحكمية ، والحقائق العقلية ، والمسائل الإلهية في توحيد الله التي لا يصل إلى شاهق معرفتها إلا كلام الوصي ، \ سبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين \ ( 1 ) .

وهذا عبد الحميد الذي قال فيه ابن خلكان في وفيات الأعيان : \ أبو غالب عبد الحميد بن يحيى بن سعيد - الكاتب البليغ المشهور - كان كاتب مروان بن الحكم الأموي آخر ملوك بني أمية ، وبه يضرب المثل في البلاغة حتى قيل : فتحت الرسائل بعبد الحميد وختمت بابن العميد . وكان في الكتابة وفي كل فن من العلم والأدب إماما ، وعنه أخذ المترسلون ولطريقته لزموا ولآثاره اقتفوا . وهو الذي سهل سبيل البلاغة في الترسل . 

ومجموع رسائله مقدار ألف ورقة . وهو أول من أطال الرسائل ، واستعمل التحميدات في فصول الكتاب ، فاستعمل الكتاب ذلك بعده ، قال : ( حفظت سبعين خطبة من خطب الأصلع ففاضت ثم فاضت ) ويعني بالأصلع أمير المؤمنين عليا عليه السلام \ .

وهذا ابن نباتة منشئ الخطبة المنامية ، الذي قال فيه ابن خلكان أيضا في الوفيات : \ أبو يحيى عبد الرحيم بن محمد بن إسماعيل بن نباتة صاحب الخطب المشهورة كان إماما في علوم الأدب ، ورزق السعادة في خطبه التي وقع الإجماع على أنه ما عمل مثلها . 

وفيها دلالة على غزارة علمه وجودة قريحته ، قال : ( حفظت من الخطابة كنزا لا يزيده الإنفاق إلا سعة وكثرة ، حفظت مائة فصل من مواعظ علي بن أبي طالب ) وتوفي ابن نباتة سنة 394 ه‍ . وهو من أساتذة الشريف الرضي \ .

وهذا أبو عثمان عمرو بن بحر بن محبوب الكناني الليثي البصري ، المعروف بالجاحظ ، العالم المشهور ، صاحب التصانيف في كل فن ، كما وصفه بذلك ابن خلكان في الوفيات أيضا وقد تقدم ذكره . ومن تصانيفه كتاب \ البيان والتبيين \ وهذا الكتاب هو أحد الكتب الأربعة التي هي أئمة الكتب الأدبية ، والثلاثة الأخرى هي الأمالي للقالي ، وأدب الكاتب لابن قتيبة الدينوري ، والكامل للمبرد . ومن كلامه في البيان والتبيين ما هذا لفظه : \ قال علي رحمه الله : ( قيمة كل امرئ ما يحسن ) فلو لم نقف من هذا الكتاب إلا على هذه الكلمة لوجدناها شافية كافية ، ومجزئة مغنية ، بل لوجدناها فاضلة عن الكفاية ، وغير مقصرة عن الغاية . 

وأحسن الكلام ما كان قليله يغنيك عن كثيره ، ومعناه في ظاهر لفظه . وكان الله عز وجل قد ألبسه من الجلالة وغشاه من نور الحكمة على حسب نية صاحبه وتقوى قائله \ ( 2 ) .

ومن تصانيف الجاحظ رسالة حافلة اشتملت على مائة كلمة من كلمات أمير المؤمنين عليه السلام ، وقد شرحها بالفارسية الرشيد الوطواط وسماها \ مطلوب كل طالب من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب \ . وقال الجاحظ في وصفها - ونعم ما قال - : \ كل كلمة منها تفي بألف من محاسن كلام العرب \ .

وهذا أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي ، المتوفى سنة 346 ه‍ ، وتاريخ وفاته سابق لولادة الشريف الرضي بزهاء ثلاث عشرة سنة ، لأن ولادة الرضي كانت سنة 359 ه‍ ، قد نص في \ مروج الذهب \ بما هذا لفظه فيه : \ والذي حفظ الناس عنه عليه السلام - يعني به أمير المؤمنين عليا - من خطبه في سائر مقاماته أربعمائة خطبة ونيف وثمانون خطبة يوردها على البديهة وتداول الناس ذلك عنه قولا وعملا \ ( 3 ) .

والعجب أن الشريف الرضي مع قرب عهده من المسعودي أتى في النهج - من خطبه عليه السلام - بما يبلغ نصف العدد الذي نص عليه صاحب المروج أو أقل منه .

ونحو الطعن المومى إليه ما افتراه بعض المخالفين على الرضي من أن الخطبة الشقشقية - وهي الخطبة الثالثة من النهج ، وقد رواها الفريقان بطرق عديدة – من مجعولات الرضي وموضوعات ، نسبها إلى علي وأدرجها في أثناء خطب النهج .

وأنا أقول ، ما جرى بين مصدق بن شبيب وشيخه ابن الخشاب - فيها – معروف مشهور ، قد نقله الشارحان ، ابن أبي الحديد ، والبحراني ، فالأول في آخر شرحه عليها ، والآخر في أوله . وقد أتى بها ابن أبي جمهور الأحسائي في \ المجلى \ أيضا ( 4 ) . وهي - كما

قلنا - قد رويت بطرق كثيرة روتها الخاصة والعامة ( 5 ) .

وأما ما في الوفيات وتاريخ اليافعي من أن الناس قد اختلفوا في النهج هل المرتضى جمعه أو الرضي ؟ فيدفعه بما قاله جامع النهج في مقدمته له : \ فإني كنت في عنفوان السن وغضاضة الغصن ابتدأت بتأليف كتاب في خصائص الأئمة عليهم السلام يشتمل على محاسن أخبارهم وجواهر كلامهم . . . \ .

وكذا قال في آخر الخطبة 21 من النهج ما هذا لفظه : \ وقد نبهنا في كتاب الخصائص على عظم قدرها وشرف جوهرها \ ، ولا كلام في أن خصائص الأئمة من كتب الرضي رحمه الله ( 6 ) .

أقول : نسخة من خصائص الأئمة للرضي موجودة في المكتبة الرضائية في رامپور تاريخ كتابتها القرن السادس من الهجرة .

على أن ثقات المحدثين وكبار المؤرخين - من الفريقين - قد أطبقوا قاطبة على أن النهج مما جمعه الشريف الرضي من كلمات أمير المؤمنين علي عليه الصلاة والسلام ، وارتياب من لا خبرة له فيه أمر لا يعبأ به .

ثم إن سلسلة أسانيد مشايخ الإجازة والاستجازة في نهج البلاغة ، وانتهاؤها إلى الرضي ، بلغت من الكثرة إلى حد التواتر الذي لا يشوبه في ذلك ريب ، ولا يعتريه عيب ، ونحن نكتفي في المقام بما في نسخة كريمة عتيقة من النهج عورضت بنسخة الرضي وقد تضمنت فوائد تامة هي حجة قاطعة لأهل اللجاج والعناد ، والنسخة لها شأن من الشأن وهي من جملة كتب مكتبة الحبر الكريم السيد مهدي الحسيني اللاجوردي - مد ظله العالي - في دار العلم مدينة قم . وقد أنعم لنا وتفضل علينا من سجيته السخية بالاطلاع عليها وأتم إحسانه بإعطائها إيانا على سبيل الأمانة برهة من الزمان . ولما رأينا نفاستها وقداستها عزمنا بعون الله تعالى على مقابلة نسخة عتيقة من نسخ النهج التي في تملكنا بها حرفا بحرف وأضفنا إليها ما حازت النسخة الأولى من تلك الفوائد الرائقة . فقد برزت أيضا بحمد الله سبحانه وحسن توفيقه نسخة موثوقا بها ومعتمدا  ليها . 

وقد فرغنا من مقابلتها بها ليلة الاثنين لأربع خلون من ذي الحجة من سنة خمس وثمانين وثلاثمائة بعد الألف من هجرة خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم في دار العلم قم . وإليك أهم تلك الفوائد وغررها :

آ - في نسخة الرضي بعد كلام أمير المؤمنين عليه السلام : \ إذا احتشم المؤمن أخاه فقد فارقه \ ، وهذا الكلام هو آخر ما في النهج ، وقد جاءت عبارة الرضي هكذا : \ وهذا حين انتهاء الغاية بنا إلى قطع المختار ( المنتزع - خ ل ) من كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه حامدين الله ( لله - معا ) سبحانه على ما من به من توفيقنا لضم ما انتشر من أطرافه ، وتقريب ما بعد من أقطاره ، ومقررين العزم كما شرطنا أولا على تفضيل أوراق من البياض في آخر كل باب من الأبواب لتكون لاقتناص الشارد واستلحاق الوارد ما عساه أن يظهر لنا بعد الغموض ، ويقع إلينا بعد الشذوذ وما توفيقنا إلا بالله عليه وتوكلنا وهو حسبنا ونعم الوكيل ، ( نعم المولى ونعم النصير - نسخة ) وذلك في رجب من سنة أربعمائة والحمد لله وصلواته على سيدنا محمد وآله أجمعين \ .

أقول : بعض نسخ النهج عارية من هذه العبارة الشارقة المفيدة جدا ، وألحق إلحاقها به وجعلها من تتمة كلام الرضي في بيان ما عمل من نضد المنتزع من كلام مولانا أمير المؤمنين عليه السلام كما في هذه النسخة وفي نسخ أخرى .

ب - آخر النسخة كان مزدانا بهذه العبارة : \ في آخر المنتسخ منه المنقول عنه : \ فرغت من قراءته على مولاي وسيدي الإمام الكبير العالم النحرير زين الدين جمال الإسلام فريد العصر محمد بن أبي نصر - أدام الله ضله ، وكثر في أهل الإسلام والفضل مثله - في شهر ربيع الأول من شهور سنة سبع وثمانين وخمسمائة هجرية . وبعد القراءة عرضت هذه النسخة على نسخته المقروءة على السيد الكبر العلامة ضياء الدين علم الهدى - قدس الله روحه ونور ضريحه - ، ونقلت إليها ما وجدته فيها من النكت الغريبة والنتف العجيبة وصححتها غاية التصحيح فصحت إلا ما زل عن النظر أو تهارب عن إدراك البصر ، ولله الحمد والمنة ، وهو حسبي ونعم الحسيب \ .

ج - وفيها : \ بلغت المقابلة بنسخة السيد الإمام رضي الله عنه والحمد لله على ذلك ، وصلواته على سيدنا محمد وآله الطاهرين .

أقول : يعني بالسيد الإمام السيد ضياء الدين علم الهدى المنوه بذكره آنفا وآتيا .

د - وفيها : \ كل ما هو بالحمرة على حواشي هذا الكتاب وفي متنه فهو نسخة السيد الرضي

رضي الله عنه وأرضاه وجعل الجنة منقلبه ومثواه .

وبحمد الله وحسن توفيقه وجزيل نعمائه وشمول عواطفه نقلت ما في المنتسخ منه من الحواشي في نسختي هذه على الهيئة التي كانت فيه سواد أو حمرة بعد ما كتبت أصلها منه مراعيا لما كتب فيه بالحمرة كذلك متنا إلا خمسة كراريس أشرت إليها في آخر كل كراس لما عرضتها عليها كما راعيته حاشية . وبذلت جهدي في مطابقة نسختي لتلك النسخة متنا وحاشية في أثناء كتابتي وأنا أقل الأقلين ابن بابا جان الشيرازي غفر الله له ولوالديه بعلي وحسنيه عليهم السلام . ثم عرضت نسختي هذه متنا عليها وقد كتب في آخر كل كراس عورض وصحح وقرئ بالحمرة والسواد كما كتبته هنا إشارة إلى أنها عرضت . . . السيد بعد تصحيحها بنسخة غيره وق‍ . . . نسختي عليها في مجالس . . . والحمد لله ا . . . ظ . . . \ إنتهى .

أقول : مواضع البياض قد خرمت وميت كتابتها .

ه‍ - ثم قال الناسخ المذكور - ابن بابا جان الشيرازي - ما هذا لفظه : صورة ما في المنتسخ كتبت أمامه قبل الشروع إلى أصله ، أحببت إيرادها ونقلها ليعرف الناظر البصير قدر نسختي التي نقلتها منه وهو حسبي ونعم الوكيل وهي هذه : قرأ وسمع علي كتاب نهج البلاغة الأجل الإمام العالم الوالد الأخص الأفضل جمال الدين زين الإسلام شرف الأئمة علي بن محمد بن الحسين المتطبب - أدام الله جماله وبلغه في الدارين آماله - قراءة وسماعا يقتضيهما فضله . وأجزت له أن يرويه عني عن المولى السعيد والدي سقاه الله صوب الرضوان عن أبي معبد الحسني عن الإمام أبي جعفر الطوسي عن السيد الرضي رضي الله عنه .

ورويته له عن الشيخ الإمام عبد الرحيم بن الأخوة البغدادي عن الشيخ أبي الفضل محمد بن يحيى الناتلي عن أبي نصر عبد الكريم بن محمد سبط بشر الديباجي عن السيد الرضي رضي الله عنه .

وروى لي السيد الإمام ضياء الدين علم الهدى سقى الله ثراه عن الشيخ مكي بن أحمد المخلطي عن أبي الفضل الناتي ( كذا - الناتلي ظ - كما تقدم في السند المقدم ) عن أبي نصر عن الرضي رحمهم الله .

ورواه لي أبي - قدس الله روحه - عن الشيخ الإمام أبي جعفر محمد بن علي بن الحسن المقري النيسابوري عن الحسن بن يعقوب الأديب عمن سمعه من الرضي رضي الله عنه . 

كتبه علي بن فضل الله الحسني حامدا مصليا في رجب سنة تسع وثمانين وخمسمائة .

وفيها : قرأ علي الولد الأعز الأنجب جمال الدين أبو نصر علي بن محمد بن الحسين المتطبب - أبقاه الله طويلا وآتاه من فضله جزيلا - كتاب نهج البلاغة نسخته هذه من أولها إلى آخرها وأجزت له روايته عني عن السيد الإمام العالم العارف ضياء الدين تاج الإسلام علم الهدى أبي الرضا فضل الله بن علي بن عبد الله الحسني الراوندي - بوأه الله في جواره جنانه ، وثقل بالحسنات ميزانه - قراءة عليه عن ابن معبد عن أبي جعفر محمد ابن الحسن بن علي الطوسي عن الرضي الموسوي رضي الله عنه ، وعني عن الأستاذ السعيد أمين الدين أبي القاسم المرزبان بن الحسين المدعو ابن كميح ، وعن خال أبوي الأديب أبي الحسن محمد بن الأديب أبي محمد الحسن بن إبراهيم عن الشيخ جعفر الدوريستي عن الرضي رضي الله عنه وعنهم وعنا جميعا . وكتب محمد بن أبي نصر بن محمد بن علي سلخ شهر الله المرجب رجب سنة سبع وثمانين وخمسمائة هجرية نبوية حامدا ومصليا ومسلما على نبيه محمد وعترته أجمعين .

وفيها : يقول العبد الضعيف أبو نصر علي بن أبي سعد بن الحسن بن أبي سعد الطبيب أسعده الله في الدارين بحق النبي سيد الثقلين عليه وعلى أهل بيته أفضل الصلوات وأمثل التحيات ، أجاز لي السيد الإمام الكبير ضياء الدين علم الهدى - رحمه الله - كتاب نهج البلاغة للسيد الإمام الرضي ذي الحسبين أبي الحسن محمد بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام عن السيد المرتضى بن الداعي الحسيني عن الشيخ أبي عبد الله جعفر بن محمد الدوريستي عنه رضي الله عنه . و \ الغريبين \ عن الشيخ زاهر بن طاهر النيسابوري المستملي عن أبي عثمان الصابوني عن أبي عبيد الهروي المؤدب مصنفه - رحمه الله - . و \ غرر الفوائد ودرر القلائد \ عن السيد حمزة بن أبي الأغر نقيب مشهد الحسين صلوات الله عليه عن ابن قدامة عن علم الهدى رضي الله عنه .

و \ غريب الحديث \ لأبي عبيد القاسم بن سلام البغدادي عن أبي علي الحسن بن أحمد بن الحسن الحداد عن أبي نعيم الحافظ عن سليمان الطبراني الشامي عن علي بن عبد العزيز البغوي عن أبي عبيد رحمهم الله . وكذلك أجاز لي رواية جميع ما له روايته من منقول أو معقول ( أو مقول - أصل ) . وكتب في رجب سنة سبع وثمانين وخمسمائة هجرية محمدية حامدا لله تعالى مصليا على سيدنا محمد وآله الطاهرين وهو حسبي ونعم الحسيب .

وفيها : لكاتبها العبد الضعيف الراجي عفو ربه الخائف من عظيم ذنبه أبي نصر علي ابن أبي سعد الطبيب أسعده الله في الدارين :

نهج البلاغة مشرع الفصحاء * ومعشش البلغاء والعلماء

درج عقود رقاب أرباب التقى * في درجه من غير ما استثناء

في طيه كل العلوم كأنه * الجفر المشار إليه في الأنباء

من كان يسلك نهجه متشمرا * أمن العثار وفاز بالعلياء

غرر من العلم الإلهي انجلت * منظومة ضياء ذكاء ( 7 )

ويفوح منها عبقة نبوية * لا غرو قدا من أديم سناء

روض من الحكم الأنيقة جاده * جود من الأنوار لا الأنواء

أنوار علم خليفة الله الذي * هو عصمة الأموات والأحياء

وجذيلها وعذيقها مترجبا * ومحككا جدا بغير مراء

مشكاة نور الله خازن علمه * مختاره من سرة البطحاء

وهو ابن بجدته عليه تهدلت * أغصانه من جملة الأمراء

ووصي خير الأنبياء أختاره * رغما لتيم أرذل الأعداء

صلى الإله عليهما ما ينطوي * برد الظلام بنشر كف ضياء

وعلى سليلهما الرضي محمد * قطب السباق جوى من الفصحاء

وفيها : للسيد الإمام عز الدين سيد الأئمة المرتضى بن السيد الإمام العلامة ضياء الدين علم الهدى قدس الله روحهما :

نهج البلاغة لذوي البلاغة واضح

وكلامه لكلام أرباب الفصاحة فاضح

العلم فيه زاخر والفضل فيه راجح

وغوامض التوحيد فيه جميعها لك لائح

ووعيده مع وعده للناس طرا ناصح

تحظى به هذي البرية صالح أو طالح

لا كالعريب ومالها فالمال غاد رائح

هيهات لا يعلو على مرقى ذراه مادح

إن الرضي الموسوي لما به هو مائح

لاقت به وبجمعه عدد القطار مدائح

وفيها : اللهم ارحم عبدك العاصي يوم يؤخذ بالنواصي حسبي الله جل جلاله . يقول العبد الضعيف المسيء إلى نفسه في يومه وأمسه ، أبو نصر علي بن أبي سعد محمد بن الحسن بن أبي سعد الطبيب ، أسعده الله في الدارين بمحمد سيد الثقلين وآله مصابيح الملوين عليه وعليهم أفضل الصلوات وأمثل التحيات : عرضت هذه النسخة بعد القراءة على الإمام الكبير العلامة النحرير زين الدين سيد الأئمة فريد العصر محمد بن أبي نصر - سقاه الله شآبيب رضوانه ، وكساه جلابيب غفرانه - على نسخة السيد الإمام الكبير السعيد ضياء الدين علم الهدى - تغمده الله برحمته وتوج مفرقه بتيجان مغفرته – وصححتها غاية التصحيح ووشحتها نهاية التوشيح بحسب وقوفي على حقائقها وإحاطتي بدقائقها، وشنفت آذان حواشيها بالدرر التي وجدتها فيها . ثم بعد ذلك قرأته على ابنه السيد الإمام الكبير عز الدين المرتضى - رضي الله عنه وأرضاه ، وجعل الجنة مأواه - وسمعته عليه قراءة استبحت عن معانيه ، وسماعا استكشفت عن مبانيه . ثم ما اقتصرت على تشنيف آذانها بل سمطتها بالجواهر ، وقلدتها بالدرر الزواهر التي استجردتها بالغياصة في بحار مصنفات العلماء ، واستنبطتها من معادن مؤلفات الفضلاء ، وانتزعت أكثرها من منهاج البراعة في شرح نهج البلاغة من كلام الإمام السعيد قطب الدين الراوندي - بيض الله غرته ونور حضرته - وكاءدت في تصحيح كل ورق إحدى بنات طبق ، ولقيت من توشيح كل سطر نبات برح وأم فرو ، فصحت إلا ما زل عن النظر أو تهارب عن إدراك البصر ولا يعرف ذلك إلا من تسنم قلال شواهق هذه الصناعة بحق ، وجرى في ميدانها أشواطا على عرق ، وذلك في شهر ربيع الأول سنة إحدى وستمائة هجرية ، ولله الحمد والمنة وعلى النبي الصلاة بقدر المنة وهو حسبي ونعم الحسيب .

أقول : هذا آخر ما أردنا من نقل تلك الفوائد المهمة المعهودة . ونسختنا المذكورة قد قابلناها بذلك الأصل المنتسخ الذي عورض بنسخة الرضي على غاية الجد والدقة والعرض وراعينا فيها الكتابة بالحمرة والسواد والسمنجوني على وفق الكتاب ، والحمد لله ولي النعم وملهم الصواب .

إعلم أن كثيرا من المؤلفين حتى سنام الصحابة وكبار التابعين اعتنوا بجمع خطبه عليه السلام وكتبه وسائر كلماته وقضاياه ، وقد عد عدة ، منهم أستاذي طود العلم وعلم التحقيق ومنار التفكير العلامة ذو الفنون آية الحق المولى أبو الحسن الشعراني - أفاض الله تعالى علينا بركات أنفاسه النفيسة القدسية - في مقالته العربية القيمة تقريظا وتقدمة على شرحنا على النهج . وكذا في مقالته الفارسية تقدمة على شرح المولى صالح القزويني على النهج .

وعد عدة كثيرة منهم - أيضا - الحبر الخبير علي بن عبد العظيم التبريزي الخياباني في كتابه الموسوم ب‍ \ وقائع الأيام في أحوال شهر الصيام \ ( 8 ) .

ثم قد عرفنا طائفة منهم مع ذكر مآخذ النقل في مفتتح رسالتنا الفارسية الموسومة ب‍ \ إنسان كامل از ديدگاه نهج البلاغة \ .

وقد التمس مني وأوصاني غير واحد من أصدقائي الفضلاء العلماء حينما أخذت في شرح النهج ، الاهتمام كل الاهتمام بذكر مدارك ما في النهج من صحف الأقدمين التي جمع الرضي وانتزع ما في النهج منها فأجبتهم بقدر الوسع بل الطاقة ولم آل جهدا في ذلك .

وقد رأينا بعض المحجوبين عن إدراك الحقائق الإلهية ، والغافلين عن عظمة الإنسان الكامل ، ينكر بفطانته البتراء إسناد ما في النهج إلى ولي الله الأعظم مجادلا بأن عصر علي لم يكن فكر البشر فيه راقيا إلى إلقاء تلك المعارف المتعالية على ذلك الحد من الكمال . 

ولست أدري أن ذلك المغفل ماذا يقول في القرآن العظيم المنزل في ذلك العصر ؟ نعم \ من لم يجعل الله له نورا فما له من نور \ والانسان الكامل وراء البشر الظاهري .

ثم اعلم أن ما في النهج بالنسبة إلى سائر كلمات الوصي عليه السلام قليل من كثير لكن الشريف الرضي - لكمال براعته ووفور بلاغته وعلو مكانته في معرفة فنون الكلام، وتضلعه وتبحره في تمييز أنواع الأقلام - قد اختار وانتخب منها على حسب جودة سليقته وحسن طويته بدائع غررها وروائع دررها ، وسمى ما اختاره \ نهج البلاغة \ .

نعم ، إن كلام مولى الموحدين لمنهج البلاغة ومسلك الفصاحة ، كلت ألسن الخطباء عن أن يأتوا بمثل أوامره وخطبه ، وزلت أقدام أقلام الأمراء دون مبارزة رسائله وكتبه ، وحارت عقول العقلاء في بيداء مواعظه وحكمه . كيف لا ، والقائل مقتبس من الأنوار الإلهية ، ومستضئ بالمشكاة الختمية المحمدية ، وكلامه مستفاض من الصقع الربوبي ، ومستفاد من الحضرة المحمدية ، فهو تالي القرآن وثاني الفرقان .

وكثير من العلماء قد خاضوا قديما وحديثا في هذا القاموس العظيم لاقتناء درره ، واجتهدوا حق الاجتهاد بما تيسر لهم في بيانه وتفسيره ، وسلك كل واحد مسلكا في شرحه وتقريره ، والكل ميسر لما خلق له \ قل كل يعمل على شاكلته \ .

وقد بلغ ما أفاضه الوصي عليه السلام من خطبه ورسائله وحكمه وأدعيته وكلماته القصار - التي كان النهج بالنسبة إليها كما قلنا قليل من كثير - الأصقاع والأسماع ، مع أن بني أمية قد بالغوا في إمحاء مطلق آثاره عليه السلام وإطفاء نوره . وليس ذلك إلا ما وعدنا الله سبحانه من قضائه المحتوم المبرم بقوله عز من قائل : \ يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون \ ( 9 ) .

وفي روضات الخونساري في ترجمة الخليل بن أحمد البصري صاحب العروض وأستاذ سيبويه : إنه - أي الخليل - سئل عن فضيلة علي بن أبي طالب عليه السلام ، فقال : \ ما أقول في حق من أخفى الأحباء فضائله من خوف الأعداء ، وسعى أعداؤه في إخفائها من الحسد والبغضاء ، وظهر من فضائله مع ذلك كله ما ملأ المشرق والمغرب \ ( 10 ) .

وقال الفخر الرازي في \ مفاتيح الغيب \ المشتهر بالتفسير الكبير في مسألة الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم من مسائل تفسير الفاتحة : \ يدل إطباق الكل على أن عليا كان يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم ، وأن عليا عليه السلام كان يبالغ في الجهر بالتسمية ، فلما وصلت الدولة إلى بني أمية بالغوا في المنع من الجهر سعيا في إبطال آثار علي عليه السلام - إلى قوله - : إن الدلائل العقلية موافقة لنا ، وعمل علي بن أبي طالب عليه السلام معنا ، ومن اتخذ عليا إماما لدينه فقد استمسك بالعروة الوثقى في دينه ونفسه \ ( 11 ) .

ثم لا يخفى على ذوي العقول الناصعة الرصينة أن توهم كون النهج من منشآت الرضي أسنده إلى الإمام علي عليه السلام ، رأي فائل موهون أوهن من بيت العنكبوت .

أرأيت أن من بلغ في كماله إلى ذلك الحد من شاهق المعرفة والبلاغة ينحدر عنه السيل ولا يرقى إليه الطير يسنده إلى غيره ؟ ! نعم ، لا يسنده إلى غيره إلا من سفه نفسه ، وحاشاه عن ذلك .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

( 1 ) الصافات : 160 .

( 2 ) البيان والتبيين 1 : 83 ، طبعة مصر .

( 3 ) مروج الذهب 2 : 431 ، طبعة مصر .

( 4 ) المجلى : 393 ، الطبعة الأولى .

( 5 ) أنظر بحار الأنوار 8 : 160 ، الطبعة الأولى .

( 6 ) أنظر بحار الأنوار 9 : 566 ، الطبعة الأولى .

( 7 ) كذا ، مثل ضياء ذكاء ، ظاهرا .

( 8 ) أنظر وقائع الأيام في شهر رمضان : 349 ، الطبعة الأولى .

( 9 ) التوبة : 34 .

( 10 ) روضات الجنات : 274 ، الطبعة الثانية ، القطع الرحلي .

( 11 ) تفسير الرازي 1 : 160 - 161 ، طبعة إستانبول .

 

المقالة السابقة المقالة التالية

Execution Time: 0.3111 Seconds