قال أمير المؤمنين (عليه السلام):(البخل بالموجود سوء الظن بالمعبود)1
البخل صفة ذميمة الموجبة لهوان صاحبها ومقته وازدرائه، وقد عابها الإسلام وحذر منها تحذيرا رهيبا، وإن الامساك لا يجدي البخيل نفعاً، وإنما ينعكس عليه إفلاساً وحرماناً, قال تعالى:{هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ... }2
فعلى الانسان القضاء على البخل, لأنه يذهب بصاحبه الى الهلاك، وقام الدين الاسلامي بمحاربة هذه الصفة، فوعد الله تعالى الذين يبخلون بما اتاهم من خيرات، وأموال ويكتنزونها ولا يظهرونها للناس ولا ينفقونها على من هو احوج اليها منهم, وكذلك وعد سبحانه من يأمر الناس بالبخل، سيعذبهم على بخلهم، وعلى فعلهم هذا اشد العذاب حيث قال الله تعالى:{الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا}3 .
والبخل يقود صاحبه الى المساوئ والعيوب، مثل الكذب على الناس خوفاً منهم أن يطلبوا منه المساعدة؛ خشيةً على ماله من النفاذ، و كذلك يحرض البخيل على كسب المال بكل الوسائل حتى ولو من الطرق غير المشروعة، فهذه كلها مساوئ يخلفها البخل في اصحاب النفوس الضعيفة، كما ورد في قول الامام علي(عليه السلام):(البخل جامعٌ لمساوئ العيوب، وهو زمام يُقاد به إلى كل سوء)4
كذلك فإن مصاحبة البخيل والتقرب منه امرٌ خطير فيجب على الشخص المؤمن الابتعاد عنه وتجنبه، حيث ان البخل يذهب بكرامة صاحبه ويذله، ولكن عند الابتعاد عنه كما ورد في قول الامام علي:(عليه السلام):(البخل يذل مصاحبه، ويعز مجانبه)5
ومن مساوئ مصاحبة البخيل هو التطبع بأطباعه واخلاقه وتعلم منه البخل وحب المال وقساوة القلب كما في قول أمير المؤمنين:(عليه السلام):(النظر الى البخيل يقسي القلب)6 .
وإن اهل البيت(عليهم السلام) يحذروننا من الاقتراب ومصادقة البخيل، لأنه يحمل سجية ذميمة، ومن الممكن أن يفضل ما يملكه، ويتركك وانت بأمس الحاجة اليه، حيث قال الامام علي (عليه السلام): (إياك ومصادقة البخيل فإنه يقعد بك عند أحوج ما تكون إليه)7 .
ومن اهم اسباب البخل هو: سوء الظن بالله تعالى، وقلة الايمان؛ اي أن البخيل يكون ايمانه بالله عز وجل ضعيفاً جداً، وسوء ظنه به تعالى يدفعه الى البخل، ولوكان حسن الظن بالله ،ومؤمناً بوعده سبحانه عندما وعد الذين ينفقون من أمولهم في سبيله، يضاعفه لهم اضعافاً مضاعفة كما في قوله تعالى: {وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين}8 .
وكذلك قول الامام الباقر(عليه السلام) في قوله تعالى في شأن مضاعفة أجر من ينفق في سبيله سبحانه:{فَأَمَّا مَن أَعْطى وَاتَّقى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى}بأن اللَّه يعطي بالواحدة عشرا إلى مائة ألف فما زاد9 {فَسَنُيَسِّرُه لِلْيُسْرى} قال لا يريد شيئا من الخير إلا يسره اللَّه له, قال تعالى:{وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى} قال البخل بما آتاه اللَّه {وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى} بأن اللَّه يعطي بالواحدة عشرا إلى مائة ألف فما زاد . فهذه دلائل مؤكدة في زيادة أجر الإنفاق في سبيل الله عز وجل، فهذا لوكان مؤمناً بالله، لم يصبح بخيلاً، لكن هذا بخله ناتجاً عن خلل عقائدي في داخله، ومن عدم ثقته بالله تعالى، وحبه وخوفه على ماله من عدم التعويض إذا انفقه، وهذا مرض نفسي يكون في البخيل، فينتج عن ذلك سوء الظن بالله فيبخل بما لديه من مال، حيث قال أمير المؤمنين(عليه السلام): (البخل بالموجود سوء الظن بالمعبود)10
ومن أسباب البخل، الخوف من الفقر، وهذه من نزعات الشيطان، الذي يزين له حب اكتناز المال، وجمعه، وعدم انفاقه على من هو احق به منه، خوفاٍ على نفسه من أن يقع في الفقر لكن هو واقع في الفقر، لأنه لا ينفق من ماله حتى على نفسه ولكن لا يعلم بذلك، فيعيش حياته كأنه فقيراً لا يملك قوت يومه، لكن سيحاسبه الله في الاخرة حساب الغني، كما في قول أمير المؤمنين(عليه السلام): (عَجِبْتُ لِلْبَخِيلِ يَسْتَعْجِلُ الْفَقْرَ الَّذِي مِنْهُ هَرَبَ، وَيَفُوتُهُ الْغِنَى الَّذِى إِيَّاهُ طَلَبَ، فَيَعِيشُ فِي الدُّنْيَا عَيْشَ الْفُقَرَاءِ، وَيُحَاسَبُ فِي الْآخِرَةِ حِسَابَ الْأَغْنِيَاءِ)11
والبخل وإن كان ذميما مقيتا، لكن تختلف صوره وأبعاده، فأقبح صوره وأشدها إثما هو البخل بالفرائض الالهية التي أوجبها الله على المسلمين، كالخمس والزكاة والحج والجهاد، وهذا اقبح البخل كما في قول الامام علي (عليه السلام): (البخل بإخراج ما افترضه الله ُسبحانه من الاموال اقبح البخل)12 .
وابخل الناس من بخل بالسلام، ووردت فيه الكثير من الاقوال للرسول ولأهل بيته الاطهار(عليهم السلام) حيث قال رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم): (ان ابخل الناس من بخل بالسلام)13 وعن الإمام الصادق(عليه السلام) في هذا الشأن ايضاً قال:(البخيل من بخل بالسلام)14 .
وإن البخل يجعل الشخص بعيداً عن الله سبحانه وبعيداً عن الجنة، بعيد عن المجتمع والناس، لكن بخله يقربه من النار، كما روي عن جعفر بن محمد عن أبيه، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله: ((...البخيل بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار))15.
الهوامش:
1. ميزان الحكمة، محمد الريشهري،ج1، ص232
2. سورة محمد:38
3. النساء:38
4. نهج البلاغة، محمد عبدة،ج4، ح378 ، ص91
5. ميزان الحكمة،ج1،ص232
6. المصدرنفسه،ص233
7.دستور معالم الحكم ومأثور مكارم الشيم من كلام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب،حمد بن سلامة القضاعي،ص 76
8.سورة سبأ : 39.
9.الوافي،الفيض الكاشاني،ج10، ص487
10.ميزان الحكمة،ج1، ص232
11.نهج البلاغة، محمد عبده،ح126، ص29
12.غرر الحكم ودررالكلم ، عبد الواحد الامدي التميمي،ح2453ص101
13.روضة الواعظين، الفتال النيسابوري، ص459
14.هداية الأمة إلى أحكام الأئمة ( ع )، الحر العاملي، ص145
15.ميزان الحكمة،ج1، ص 233