الباحث: محمد حاكم الكريطي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الانبياء والمرسلين محمد ابن عبد الله وآله الطيبين الطاهرين ،الحمد لله وإن أتى الدهر بالخطب الفادح , والحدث الجليل، وبعد
إن للحديث عن بين أمية شجونًا إذ إن هذه الجماعة من الناس قد ضربت في تخوم الحياة بخصومتها القديمة للإسلام وعمقها الميثولوجي الذي ظل الطرف الآخر والنقيض الدائم للإسلام، حيث كان لهم قصب السبق وبيضة النفاق التي مازالت آثارها باقية على حال الامة الاسلامية اليوم، وكل ما به الاسلام والمسلمون من احداث جسام هو ثمار تلك البذور التي غرستها بنو أمية في جسد الأمة والتي لم تخرج الا نكدا.
والمتتبع جيدا لقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يلاحظ حجم الأذى النفسي الذي يبدو واضحا في كلماته عندما يكون الحديث او الخطبة عن بني أمية, إذ عاصرهم بدءً من أبي سفيان ومعاوية واستشعر خطرهم منذ ذلك الحين وقرأ مستقبل احداثهم وما سيحمّلون به الامة من ويلات تتبعها الويلات, لذلك نشم في أقواله (عليه السلام) رائحة الألم والحسرة الكبيرتين لما سيئول له حال الأمة, فمن خطبه المباركة التي يتحدث فيها عن بني أمية يقول: ((والله لايزالون حتى لا يدعوا لله محرما إلا استحلوه ولا عقدا إلا أحلوه ))[1]، يشير الإمام (عليه السلام) هنا إشارة ضمنية الى بعدهم عن جوهر الدين وعن حقيقته, وهم لاشك من خلال كلامه أنهم منافقون إذ إنهم سيستحلون كل ما حرم الله , وكأنه ( عليه السلام ) يشير الى هذا الزمن الذي يأتي بعده وما سيفعلون من فواحش وكبائر، كذلك إلى زمننا الدي نحن فيه وما يفعله أحفاد بني أمية من استباحة لدماء المسلمين وأعراضهم, وهذا ايضا يظهرنا على أمر آخر أن بني أمية دأبوا على هذا النهج منذ زمن الإمام (عليه السلام) والى يومنا هذا, ولا شك أن تلك الجماعة لن ينتهي سلوكها الى قيام الساعة.
ثم إذا أخذنا الشطر الآخر من قوله المبارك نراه يقول) :لا عقدا الا أحلوه) وفي هذا الكلام إشارة بينة الى العقد الذي بين الإمام الحسن (عليه السلام) من جهة وبين معاوية من جهة أخرى وكيف أن معاوية قد نقض ما أبرم بينه وبين الإمام الحسن (عليه السلام), وقول الإمام (عليه السلام) هذا يعطينا فكرتين الأولى هو نقض العهود عند بني أمية وهذا ما يتخالف مع قوله تعالى: ((وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسئولا))[2], وهذا بحد ذاته هو مخالفة صريحة لما جاء به القرآن الكريم وما أوصى به الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وآله) ولمبادئ الاسلام الخلقية, وفي واقع الحال، الوفاء بالعهد هو من القيم التي كانت عليها العرب قبل الاسلام, وإن بني أمية لمخالفتهم هذه الظاهرة العربية ومن ثم صارت الإسلامية فهم فاقدون لعروبتهم في بادئ الأمر، فضلا عن انهم غير مؤمنين بما جاء به النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) وانهم دخلوا الإسلام مكرهين غير موقنين لذلك أظهروا الإيمان واضمروا النفاق. أما الفكرة الأخرى من قول الإمام (عليه السلام) إنه كان ذو معرفة وعلم بالأحداث التي ستأتي في المستقبل على الامة حيث أخذ هذا العلم عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وفي موضع آخر من نهج البلاغة نلاحظ أمير المؤمنين (عليه السلام) متذمرا من بني أمية حيث رموا الإمام (عليه السلام) بذنبهم الذي اقترفوه، فقال: (( أولم ينه بنو أمية علمها بي عن قرفي، أو ما وزع الجهال عن سابقتي عن تهمتي))[3] فعندما سمع الإمام (عليه السلام) بني أمية أنهم يخدعون الناس ويوهمونهم بأن الامام (عليه السلام) كان قد تسبب في مقتل عثمان وذلك لإضعاف دور الإمام (عليه السلام) في اصحابه من خلال هذه المكيدة, نلاحظ كيف كان بنو أمية يريدون كيدا بالإمام ( عليه السلام ) ولا يحيق المكر السيء الا بأهله, وهذا ما انعكس بغباره الذي تطاير من أفواه الأمويين على الحياة الفكرية للأمة الاسلامية ودخلت في تقاطعات وتجاذبات وصراعات بقيت قائمة الى قيام يوم الدين, فالإمام يبدو في جميع خطبه التي يبدأ كلامه عن بني أمية قد ألمَّ به الحزن والألم لما سيُكتب على الامة من ويلات بعد شق عصاها على يد هذه العصبة التي صار المسلمون بسببها فرق وجماعات.
الهوامش:
[1] - نهج البلاغة :171
[2] - سورة الإسراء : 34
[3] - نهج البلاغة :122