علي الأكبر والتجلي النبوي كمالًا وجمالًا

مقالات وبحوث

علي الأكبر والتجلي النبوي كمالًا وجمالًا

7K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 17-04-2019

علي الأكبر والتجلي النبوي كمالًا وجمالًا  

 

خُطَى الخزاعي

 

تكفّل الله جلَّ وعلا بتعريف نبيه الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) ببيان بعض جزئيات شخصيته، فوصف خُلُقَه قائلًا:(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) {القلم: 4}، وأيضًا:( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) {آل عمران:159}، ومنطقه بقوله: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى0إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) {النجم :3،4}، معطيًا له مع كل بيان الرتبة الأعلى للكمال الإمكاني في عالم الوجود، وكاشفًا عن الحيثيات التي ازدانت بها شخصيته (صلى الله عليه وآله وسلم) فغدت تجذب الفطرة النقية والعقول السليمة باتجاه طريق الله تبارك وتعالى، مُرفِقًا ذلك الكمال الأتم بجمالٌ أتم في الهيئة والصورة، إذ برأه تعالى على أجمل صورة وأكمل هيئة، وممَّا نقل في صفة خِلقَته (صلى الله عليه وآله وسلم) أنَّه كان أزهرًا([1])، والأَزْهَرُ العتيقُ البياضِ النَّيِّرُ الحَسَنُ، وَهُوَ أَحسن الْبَيَاضِ كأَنَّ لَهُ بَرِيقاً ونُوراً، يُزْهِرُ كَمَا يُزْهِرُ النَّجْمُ وَالسِّرَاجُ([2])، وذكر عمه أبو طالب (عليه السلام) خصوص هذه الصفة بقوله : (وأبيض يستسقي الغمام بوجهه   *    ثمال اليتامى عصمة للأرامل)([3])       فَيَشخَصُ من كل صفة فيه (صلى الله عليه وآله وسلم) مَعلَمَ هدايةٍ للعقول، وعنصر الهامٍ للنفوس المفطورة على الميل والانجذاب نحو الكمال والجمال، وشاء الله تعالى أن تتجلى تلك الصفات النبوية في شخص فتى الحسين علي الأكبر (عليهما السلام)، خَلقًا وخُلُقًا ومنطقًا بإخبار من أبي عبد الله الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) إذ قال حين برز علي الأكبر للقتال مُعَرِّفًا به (اللهم اشهد على هؤلاء القوم فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خَلْقًا وخُلُقًا ومنطقًا برسولك، كنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إلى وجهه)([4])، فحاز(عليه السلام) على شرف رتبة الأشبه برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فيتجسد فيه الجمال والكمال المحمدي النبوي بأعلى قدر، وبتطبيق ما تم تقديمه من صفات لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على شخصية الأكبر (عليه السلام)- مع ملاحظة أنَّه ليس من المعصومين المنصوص عليهم - نجد أن الإمام الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) قد أحاط شخصية ولده بسور من البيان تعجز الأقلام ومن ورائها العقول والأفهام عن تجاوزه فضلًا عن الوصول إلى تخوم حقيقة معناه، فغاية ما نفهمه أنَّه قد حاز (عليه السلام) رتبًا عالية في الكمالات شابهت بأقرب ما يكون الرتب الأعلى والأتم في عالم الإمكان، مترجمة لها مواقفه الكبيرة، ومنها موقف له حكى عن رسوخ عقيدة وتسديد منطق بسؤاله لوالده (صلوات الله وسلامه عليهما) عندما سمعه يسترجع ويحمد الله أثناء مسيرهم: ( مِمَّ حمدت الله واسترجعت؟ فقال: يا بني، إنِّي خفقت خفقة فعن لي فارس على فرس وهو يقول: القوم يسيرون، والمنايا تسير إليهم، فعلمت أنَّها أنفسنا نعيت إلينا، فقال له: يا أبتِ لا أراك الله سوءًا، ألسنا على الحق؟ قال: بلى، والذي إليه مرجع العباد، قال: فإنَّنا إذا لا نبالي أن نموت محقين، فقال له الحسين (عليه السلام): جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدًا عن والده)([5])، وممّا نُظِمَ في  وصفه (عليه السلام) ([6]):

 

ورث الصفات الغر فهي تراثــــــــــه   *    عن كل غطريف وشهم أصيد

 

في بأس حمزة في شجاعته حيدر  *    بأبي الحسين وفي مهابة أحمد

 

وتراه في خلـــــــــــــــق وطيب خلائق   *     وبليغ نطــــــــــق كالنبي محمــــــــــــــد  

 

ولهذا قد حضي (عليه السلام) بمكانة رفيعة في نفس المولى أبي عبد الله الحسين (صلوات الله وسلامه عليه) فكان يحبه حبًّا كبيرًا، كيف لا؟ وهو يرى في جبينه نور النبي الأنور ومع قسماته ملامحه الشريفة، ويسمع في كلماته منطق الوحي، فكان حتمًا لا يبارح النظر عن وجهه، ويتوق دائمًا لسماع صوته، إذ لا يبارحه اشتياقه لجده رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولهذا كان فقده موجعًا لقلب الحسين (صلوات الله وسلامه عليه)، إذ تجدد بفقده فقد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وممَّا ورد في تفجع الإمام على ولده وهو يودعه شهيدًا في كربلاء (لَعَنَ اللهُ قَوْماً قَتَلُوكَ يا وَلَدي! ما أَشَدَّ جُرْأَتَهُمْ عَلَى اللهِ، وَعَلَى انْتِهاكِ حُرَمِ رَسُولِ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ))([7])،( يا ثَمَرَةَ فُؤاداهْ ! وَيا قُرَّةَ عَيْناهْ)([8])، (على الدنيا بعدك العفا)([9])، فالسلام على الأكبر قرة عين الحسين حين ولد، وحين أزهر نوره في كربلاء كاسفًا شمس ضحاها، وحين استشهد فاستقبلته يد النبي تسقيه شربة لا يظمأ بعدها أبدًا، وحين يبعث حيًّا بنور أشبه بنور النبي الأزهر ورحمة الله وبركاته .

 

الهوامش:

[1] ينظر: دلائل النبوة لأبي نعيم، أبو نعيم الأصبهاني، (المتوفى 430ه):31

[2] ينظر: لسان العرب، محمد بن مكرم بن على، أبو الفضل، جمال الدين ابن منظور الأنصاري الرويفعى الإفريقى (المتوفى: 711هـ): 4/332

[3] بدائع الصنائع، أبي بكر الكاشاني، (المتوفى587ه):1/283 

[4] بحار الأنوار، العلامة المجلسي (المتوفى 1111ه): 45/43

[5] الإرشاد، الشيخ المفيد(المتوفى 413ه ):2/82

[6] شهداء أهل البيت ( ع ) قمر بني هاشم، الحاج حسين الشاكري: 120

[7] ينابيع المودة لذوي القربى، القندوزي (المتوفى 1294ه):3/78

[8] موسوعة كلمات الإمام الحسين ( ع )، لجنة الحديث في معهد باقر العلوم ( ع ):558

[9] شرح الأخبار، القاضي النعمان المغربي(المتوفى363ه):3/ 153

المقالة السابقة المقالة التالية

Execution Time: 0.2444 Seconds