الباحث علي فاضل الخزاعي
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرًا، واللعن الدائم على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.
أمير المؤمنين (عليه السلام) هو سر من أسرار الله (عز وجل) أودع فيه علم الأولين والآخرين؛ وبدوره بين (عليه السلام) كل ما ينفع الناس وما يضرهم وما تشتهي النفس الإنسانية وما تكره؛ ومن جملة هذه الودائع التي كان الإمام (عليه السلام) يحذر من مهاويها هي تأثير الغريزة في النفس الإنسانية كون الغريزة بحدها تؤدي إما الى النجاة أو الوقوع في الهاوية.
ومعنى الغريزة: الطبيعة والقريحة، والجمع غرائز، وغرزها في الخلق بالتخفيف والتشديد أي ركبها فيهم[1]، والغَريزَة ، كسَفينةٍ، من خيرٍ أو شَرٍّ[2].
فالغريزة شبهها أهل اللغة بالسفينة التي تحمل كل شيء؛ والغريزة ليست مختصة بالشهوات والمشتهيات، فجميع الغرائز وما يرتبط فيها من عوامل تؤثر على طبيعة النفس الإنسان التي تؤدي الى وقوع الإنسان في الضلالة والانحراف عن طريق الهدى، وهنالك غرائز أخرى تؤثر في طبيعة النفس الإنسانية منها غرائز خير وغرائز شر.
يقول أمير المؤمنين في نشأة الخلق كله: (أَنْشَأَ الْخَلْقَ إِنْشَاءً وابْتَدَأَه ابْتِدَاءً، بِلَا رَوِيَّةٍ أَجَالَهَا ولَا تَجْرِبَةٍ اسْتَفَادَهَا، ولَا حَرَكَةٍ أَحْدَثَهَا ولَا هَمَامَةِ نَفْسٍ اضْطَرَبَ فِيهَا، أَحَالَ الأَشْيَاءَ لأَوْقَاتِهَا ولأَمَ بَيْنَ مُخْتَلِفَاتِهَا، وغَرَّزَ غَرَائِزَهَا وأَلْزَمَهَا أَشْبَاحَهَا)[3].
فاللَّه سبحانه لمّا غرّز هذه الغرائز في محالَّها وأصولها كانت الغاية من ذلك ما يحصل منها من الآثار الموافقة لمصلحة العالم أشبه ذلك غرز الإنسان العود في الأرض لغاية أن يثمر ثمرة منتفعا بها[4]، وكذلك فيه إشارة إلى خلق كلّ ذي طبيعة على خلقه ومقتضى قواه التي غرّزت فيه من لوازمه وخواصّه كقوّة التعجّب والضّحك للإنسان والشّجاعة للأسد والجبن للأرنب والمكر للثّعلب والحرص للذّئب وأمثال ذلك والتّعبير بالغريزة منه (عليه السلام) إشارة إلى أنّ هذه الأمور مقتضى جبلَّة كلّ موجود بحيث لا يمكن انتزاعها عنه فلا يمكن الضّحك لغير الانسان والشجاعة للأرنب والمكر للأسد وهكذا في افراد الانسان[5].
فبالنسبة للغرائز التي يجني منها الانسان الخير فهي كثيرة وما ورد عن بيان الغريزة الحسنة عن مولانا أمير المؤمنين يؤكد هذا المفهوم؛ فقوله (عليه السلام): (السخاء والشجاعة غرائز شريفة، يضعها الله سبحانه فيمن أحبه وامتحنه)[6].
وأما الغريزة السيئة فكذلك ذكرها أمير المؤمنين (عليه السلام) في رواية وارده عنه (عليه السّلام) قال: قال رسول اللَّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم): (يا علي لا تشاورن جبانا فإنه يضيق عليك المخرج ولا تشاورن بخيلا فإنه يقصر بك عن غايتك ولا تشاورن حريصا فإنه يزين لك شرها واعلم أن الجبن والبخل والحرص غريزة يجمعها سوء الظن)[7] وهذا ما كان حاضرا في عهده لمالك الأشتر.
فما ذكرناه هو من جملة الغرائز التي تؤثر على نفس الانسان وهنالك غرائز أخرى تؤثر في النفس الإنسانية حيث نادى بعض علماء النفس قائلًا: إن الغريزة الجنسية، هي السر الحقيقي الكامن وراء مختلف النشاطات الإنسانية، التي يتألف منها التاريخ والمجتمع فليس حياة الإنسان إلا سلسلة من الاندفاعات الشعورية، أو اللا شعورية عن تلك الغريزة[8].
وعلى هذا الأساس ميز الله (سبحانه وتعالى) مخلوقاته وقد جعل في كل مخلوقاته حكمة ومن حكمه (عز وجل) خلق الملائكة عقولا بلا شهوة، وخلق البهائم شهوة بلا عقول، وخلق ابن آدم وركب فيه العقل والشهوة، فمن غلب عقله شهوته التحق بالملائكة، ومن غلبت شهوته عقله التحق بالبهائم؛ وهذا من عظيم قدرة الله عز وجل لبيان تأثير الغرائز على مخلوقاته وخصوصًا الإنسان كونه جعل له عقل وشهوة، والمعلوم أن الشهوة تدخل من ضمن الغرائز التي تؤثر تأثيرًا مباشرًا على نفس الانسان، وتجعله بين كفتين إما أن يسيطر على غرائزه أو أن يقع في مهاويها فيلتحق بركب البهائم.
لذا يجب تهذيب النفس من هذه الغرائز السيئة كونها تؤدي الى فساد النفس وفساد المجتمع واللجوء الى التقرب من الله تعالى والمداومة على الصلاة وقراءة القرآن الكريم وزيارة أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) كونهم حبل الله المتين وصراطه المستقيم وبهم وبولايتهم يشفع الله لنا في الآخرة إنه سميع مجيب.
والحمد لله رب العالمين.
الهوامش:
[1] - مجمع البحرين، الطريحي: 4/28.
[2] - ينظر: تاج العروس، الزبيدي: 8/116.
[3] - نهج البلاغة، تحقيق (د. صبحي الصالح):40.
[4] - ينظر: شرح نهج البلاغة، البحراني: 1/136.
[5] - مفتاح السعادة في شرح نهج البلاغة، النقوي: 162.
[6] - ميزان الحكمة، الريشهري: 2/1276.
[7] - الوافي، الكاشاني: 5/582.
[8] -ينظر: اقتصادنا، السيد محمد باقر الصدر: 65.