طاعة الشيطان في منظور الإمام علي (عليه السلام)

مقالات وبحوث

طاعة الشيطان في منظور الإمام علي (عليه السلام)

8K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 05-05-2019

طاعة الشيطان في منظور الإمام علي (عليه السلام)

 

الباحث: الشّيخ سجاد عبد الحليم الرّبيعي

 

الحمد لله رب العالمين وأفضل الصَّلَاة والتَّسليم على طبيب نفوسنا وحبيب قلوبنا مُحَمّد (صلَّى الله عليه وآله) وعلى أهل بيته وصحبه المنتجبين.

لا يحتاج المؤمن إلى بيان عداوة الشيطان ولا يحتاج إلى معرفة طرق النجاة منه؛ لأنه من أبرز مصاديق الباطل، بعد أن صرح القرآن الكريم بذلك في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ [1]. وعلى ضوء الوحي القرآني يرسم لنا أمير المؤمنين(عليه السلام) في خطبة يذم فيها أتباع الشيطان ، يقول(عليه السلام): (اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لأَمْرِهِمْ مِلَاكاً ، واتَّخَذَهُمْ لَه أَشْرَاكاً ، فَبَاضَ وفَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ ، ودَبَّ ودَرَجَ فِي حُجُورِهِمْ ، فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ ونَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ، فَرَكِبَ بِهِمُ الزَّلَلَ وزَيَّنَ لَهُمُ الْخَطَلَ ، فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِكَه الشَّيْطَانُ فِي سُلْطَانِه ، ونَطَقَ بِالْبَاطِلِ عَلَى لِسَانِه)[2].

يشير(عليه السلام) في هذه الخطبة إلى أمور من أهمها:

1ـ ولاية الشيطان (اتَّخَذُوا الشَّيْطَانَ لأَمْرِهِمْ مِلَاكاً)، أي اتخذوه قوام لأمورهم ونظامهم، فجعلوه وليًّا لهم وسلطانا عليهم، فيتصرف بهم بالأمر من حال إلى حال، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ  إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ ﴾[3] ، وقال تعالى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾[4] أي حكمنا بذلك لأنّهم يتناصرون على الباطل يؤمنون به ويتولَّون الشّيطان ويشركون بالرّحمن كما قال تعالى ﴿إِنَّما سُلْطانُه ُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَه ُ وَالَّذِينَ هُمْ بِه ِ مُشْرِكُونَ ﴾[5].

2 ـ شراكة الشيطان:( واتَّخَذَهُمْ لَه أَشْرَاكاً)، يصور أمير المؤمنين(عليه السلام) كيفية اتخاذ الإنسان الشيطان شريكا  له في أموره، أي يتصرف فيه ويجعله تبعا وجندا له ، كما هو واضح ومبين في قوله تعالى: ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ ﴾[6]. وأمّا على جعل الاشراك جمعا لشرك فقد قال الشّارح البحراني إنّه استعارة حسنة ، فإنّه لمّا كان فايدة الشّرك اصطياد ما يراد صيده وكان هؤلاء القوم بحسب ملك الشّيطان لآرائهم وتصرّفه فيهم على حسب حكمه أسبابا لدعوة الخلق إلى مخالفة الحقّ ومنابذة إمام الوقت وخليفة اللَّه في أرضه اشبهوا الأشراك لاصطيادهم الخلق بألسنتهم وأموالهم وجذبهم إلى الباطل بالأسباب الباطلة التي ألقاها إليهم الشّيطان ونطق بها على ألسنتهم فاستعار لهم لفظ الاشراك[7] .

3 ـ تمكين الشيطان من القلوب و حواس البدن:( فَبَاضَ وفَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ ، ودَبَّ ودَرَجَ فِي حُجُورِهِمْ ، فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ ونَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ). يشير(عليه السلام) إلى نكته مهمة وملازمة عقلية فيمن يجعل الشيطان قرينا له، نستنتجها عن طريق ما يرمي اليه من قوله(عليه السلام):( فَبَاضَ وفَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ ، ودَبَّ ودَرَجَ فِي حُجُورِهِمْ ، فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ ونَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ).

إن ما يمكن استنتاجه من فكره(عليه السلام) ، إن الشيطان بإطاعته تكون معصية الخالق سبحانه وتعالى، فيتحول هذا الموجود كالطائر الذي يبيض ويفرخ ، واذا أُمعن النظر في العبارة نجد أنّ هناك ملازمة حقيقية وهو استيطان الشيطان في وجود الإنسان بشكل طويل، فشبه (عليه السلام) بالطائر الذي يبني عشه ليكون له موطنا يستقر به ليضع بيوضه وافراخه، وهو قوله(فَبَاضَ وفَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ) فملك قلوبهم واستعد لإغوائهم. كما يدل عليه ما رواه في البحار من الخصال بإسناده عن أبي عبد الرّحمن عن معاوية بن عمّار عن أبي عبد اللَّه (عليه السّلام) قال : (الآباء ثلاثة آدم ولد مؤمنا ، والجانّ ولد كافرا وإبليس ولد كافرا وليس فيهم نتاج إنّما يبيض ويفرخ وولده ذكور ليس فيهم إناث)[8] .

وفيه من العلل بإسناده عن عمرو بن خالد عن زيد بن عليّ عن آبائه عن عليّ عليهم السّلام قال : قال رسول اللَّه (صلَّى اللَّه عليه وآله) : (إنّ اللَّه عزّ وجلّ حين أمر آدم أن يهبط ، هبط آدم وزوجته وهبط إبليس ولا زوجة له وهبطت الحيّة ولا زوج لها فكان أوّل من يلوط بنفسه إبليس فكانت ذرّيته من نفسه ، وكذلك الحيّة وكانت ذرّية آدم من زوجته فأخبرهما أنّهما عدوّان لهما) [9]. قال الخوئي: ولكنّ الأظهر هو المعنى الأوّل لأنّ الكناية أبلغ من الافصاح وأسدّ من التّصريح ، فيكون ذلك نظير قوله (صلَّى اللَّه عليه وآله) : (إنّ الشّيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدّم فضيقوا مجاريه بالجوع)[10] .

المراد به أن الشيطان لا يفارق ابن آدم ما دام حياً كما لا يفارقه دمه أي أنه يدخل عروقه وأوراده وتجاويف أعضائه بل المعنى أن الشّيطان مايزال يراقب العبد ويوسوس إليه في نومه ويقظته ، إذ هو جسم هوائيّ يمكنه أن يصل إلى ذلك الانسان فيوصل كلامه ووسواسه إلى باطن اذنه فيصير إلى قلبه [11]. هذا بالإضافة إلى أن نظرة أمير المؤمنين(عليه السلام) إلى الشيطان نظرة تفحصيه شاملة، في كيفية من يتخذ الشيطان سبيلا ، يقول (عليه السلام) في قوم التحقوا بالخوارج: (ِإنَّ الشَّيْطَانَ الْيَوْمَ قَدِ اسْتَفَلَّهُمْ ، وهُوَ غَداً مُتَبَرِّئٌ مِنْهُمْ ومُتَخَلٍّ عَنْهُمْ ، فَحَسْبُهُمْ بِخُرُوجِهِمْ مِنَ الْهُدَى وارْتِكَاسِهِمْ فِي الضَّلَالِ والْعَمَى ، وصَدِّهِمْ عَنِ الْحَقِّ وجِمَاحِهِمْ فِي التِّيه)[12].

 

الهوامش:

[1] سورة فاطر، الآية: 6.

[2] نهج البلاغة، خطب الإمام علي ( ع ): 1 /42 .

[3] سورة الأعراف، الآية: 30 .

[4] سورة الأعراف، الآية:27 .

[5] سورة النحل، الآية: 100 .

[6] سورة المجادلة، الآية: 19 .

[7] شرح نهج البلاغة، ابن ميثم البحراني: 1 /282 .

[8] بحار الأنوار، العلامة المجلسي(ت: 1111 هـ)، تحقيق : يحيى العابدي الزنجاني ، عبد الرحيم الرباني الشيرازي، ط2 المصححة: 1403 - 1983 م:11 /111 .

[9] علل الشرائع، الشيخ الصدوق (ت:  ٣٨١هـ)، تحقيق: تقديم : السيد محمد صادق بحر العلوم ، ١٣٨٦ - ١٩٦٦ م ، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها - النجف الأشرف : 2 / 141 .

[10] روضة المتقين في شرح من لا يحضره الفقيه، محمد تقي المجلسي (ت : 1070 هـ)،  تحقيق : نمقه وعلّق عليه وأشرف على طبعه ( السيد حسين الموسوي الكرماني والشيخ علي پناه الإشتهاردي ) المؤسسة الثقافية حاج محمد حسين كوشانپور: 3 /271 .

[11] ينظر: منهاج البراعة ، الخوئي: 3 /152 .

[12] نهج البلاغة، خطب الإمام علي ( ع ): 2 /102 .

 

المقالة السابقة المقالة التالية

Execution Time: 0.2762 Seconds