في وصف الايمان
الباحث: محمد حمزة عباس
قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (إِنَّ الإِيمَانَ يَبْدُو لُمْظَةً فِي الْقَلْبِ، كُلَّمَا ازْدَادَ الإِيمَانُ ازْدَادَتِ اللُّمْظَةُ)[1].
الإيمان نور يقذفه الله في القلب، وكلما زاد الايمان زاد نور القلب، والايمان لا يأتي الا بالعمل فمن أراد أن يملأ قلبه وجوارحه نوراً فعليه بعمل الخير والتمسك بكتاب الله وعترة نبيه، وتجنب جميع المحارم.
وقد سؤل الإمام الصادق (عليه السلام) عن الايمان فقال: (حَالاتٌ ودَرَجَاتٌ وطَبَقَاتٌ ومَنَازِلُ فَمِنْه التَّامُّ الْمُنْتَهَى تَمَامُه ومِنْه النَّاقِصُ الْبَيِّنُ نُقْصَانُه ومِنْه الرَّاجِحُ الزَّائِدُ رُجْحَانُه قُلْتُ إِنَّ الإِيمَانَ لَيَتِمُّ ويَنْقُصُ ويَزِيدُ قَالَ نَعَمْ قُلْتُ كَيْفَ ذَلِكَ قَالَ لأَنَّ اللَّه تَبَارَكَ وتَعَالَى فَرَضَ الإِيمَانَ عَلَى جَوَارِحِ ابْنِ آدَمَ وقَسَّمَه عَلَيْهَا وفَرَّقَه فِيهَا فَلَيْسَ مِنْ جَوَارِحِه جَارِحَةٌ إِلَّا وقَدْ وُكِّلَتْ مِنَ الإِيمَانِ بِغَيْرِ مَا وُكِّلَتْ بِه أُخْتُهَا فَمِنْهَا قَلْبُه الَّذِي بِه يَعْقِلُ ويَفْقَه ويَفْهَمُ وهُوَ أَمِيرُ بَدَنِه الَّذِي لَا تَرِدُ الْجَوَارِحُ ولَا تَصْدُرُ إِلَّا عَنْ رَأْيِه وأَمْرِه – الى ان قال (عليه السلام)- فَأَمَّا مَا فَرَضَ عَلَى الْقَلْبِ مِنَ الإِيمَانِ فَالإِقْرَارُ والْمَعْرِفَةُ والْعَقْدُ والرِّضَا والتَّسْلِيمُ بِأَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْدَه لَا شَرِيكَ لَه إِلَهاً وَاحِداً لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً ولَا وَلَداً وأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُه ورَسُولُه (صلى الله عليه وآله) والإِقْرَارُ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّه مِنْ نَبِيٍّ أَوْ كِتَابٍ فَذَلِكَ مَا فَرَضَ اللَّه عَلَى الْقَلْبِ مِنَ الإِقْرَارِ والْمَعْرِفَةِ وهُوَ عَمَلُه وهُوَ قَوْلُ اللَّه (عَزَّ وجَلَّ): {إِلَّا مَنْ أُكْرِه وقَلْبُه مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمانِ ولكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً }[2]، وقَالَ: { أَلا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[3]، وقَالَ {الَّذِينَ آمَنُوا بِأَفْوَاهِهِمْ ولَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ}[4]، وقَالَ {إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوه يُحاسِبْكُمْ بِه الله فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ ويُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ [5]، فَذَلِكَ مَا فَرَضَ اللَّه عَزَّ وجَلَّ عَلَى الْقَلْبِ مِنَ الإِقْرَارِ والْمَعْرِفَةِ وهُوَ عَمَلُه وهُوَ رَأْسُ الإِيمَانِ)[6].
وهذه اللمظة التي عبر عنها الإمام كالنكتة، قال السيد الرضي رحمه الله: (واللمظة مثل النكتة أو نحوها من البياض، ومنه قيل فرس ألمظ، إذا كان بجحفلته شيء من البياض)[7].
فسبحانه وتعالى خلق القلب كالورقة البيضاء فمن أراد ان يملأه نوراً وعلماً وايماناً عليه بعمل الخير وتجنب المعاصي.
وحينما يعمل الانسان سوءً لا شك انه سيملأ قلبه غلاً وحسداً فيصبح كالورقة السوداء بسبب تلك الذنوب لذا قال تعالى في محكم كتابه: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[8].
فكثرت الذنوب والاصرار عليها تؤدي الى الظلالة والحيرة، فَعَنْ أَبِي بَصِيرٍ قَالَ: (سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّه (عليه السلام) يَقُولُ: ((إِذَا أَذْنَبَ الرَّجُلُ خَرَجَ فِي قَلْبِه نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ فَإِنْ تَابَ انْمَحَتْ وإِنْ زَادَ زَادَتْ حَتَّى تَغْلِبَ عَلَى قَلْبِه فَلَا يُفْلِحُ بَعْدَهَا أَبَداً))[9].
والله (عز وجل) إذا أحب عبداً طهره من الذنوب صغيرها وكبيرها وإذا ابغض عبداً سلط علية شياطين الجن والانس لكي تظله وتصده عن الهدى.
قال ابو عبد الله الصادق (عليه السلام): (إِنَّ اللَّه عَزَّ وجَلَّ إِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ خَيْراً نَكَتَ فِي قَلْبِه نُكْتَةً مِنْ نُورٍ وفَتَحَ مَسَامِعَ قَلْبِه ووَكَّلَ بِه مَلَكاً يُسَدِّدُه وإِذَا أَرَادَ بِعَبْدٍ سُوءاً نَكَتَ فِي قَلْبِه نُكْتَةً سَوْدَاءَ وسَدَّ مَسَامِعَ قَلْبِه ووَكَّلَ بِه شَيْطَاناً يُضِلُّه ثُمَّ تَلَا هَذِه الآيَةَ {فَمَنْ يُرِدِ الله أَنْ يَهْدِيَه يَشْرَحْ صَدْرَه لِلإِسْلامِ ومَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّه يَجْعَلْ صَدْرَه ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ}[10])[11].
وقد أعطى الإمام علي (عليه اسلام) حلاً وعلاجاً لأمراض القلب ذلك من خلال تلاوة القرآن والسير على نهجه فمن خطبة له (عليه السلام) قال فيها: (إِنَّ اللَّه سُبْحَانَه وتَعَالَى جَعَلَ الذِّكْرَ جِلاءً لِلْقُلُوبِ، تَسْمَعُ بِه بَعْدَ الْوَقْرَةِ وتُبْصِرُ بِه بَعْدَ الْعَشْوَةِ، وتَنْقَادُ بِه بَعْدَ الْمُعَانَدَةِ)[12].
فنسأل الله بحق نبيه وكتابه وعترته أن ينير قلوبنا بنور الولاية وان يملأ جوارحنا حب الخير ويرزقنا سعادة الدنيا والاخرة بمحمد وعترته الطاهرة.
الهوامش:
[1] - نهج البلاغة، فصل في غريب كلامه (عليه السالم) الحديث: 5، ص513.
[2] - النحل : 106.
[3] - الرعد: 28.
[4] - المائدة: 41.
[5] - البقرة: 284.
[6] - الكافي: 2 / 34.
[7] - نهج البلاغة: تحقيق صبحي الصالح: 518.
[8] - الأنعام: 164.
[9] - الكافي: 2 / 271.
[10] - الأنعام: 125.
[11] - الكافي: 1 / 166.
[12] - نهج البلاغة: الخطبة 222 / 342.