الباحث: السيد علاء الحسني
لا بد لنا في بادئ ذي بدأ التعرف على كلمة (نهج) فالنهج لغةً : الطريق، ونهج : طريق : واسع واضح، وطرق
نهجة؛ ونهج الامر و أنهج - لغتان - أي : وضح؛ و منهج الطريق: وضحه؛ و المنهاج : الطريق الواضح [1].
قال: وأن أفوز بنور أستضئ به أمضي على سنة منه و منهاج [2]
و النهجة : الربو يعلو الانسان والدابة، ولم أسمع منه فعلا؛ ويقال للثوب إذا بلي ولما يتشقق : قد نه ونهج و أنهج . و أنهجه البلى، قال العجاج :
وكيف رجائي جدة الناهج البالي من طلل كالأتحمي أنهجا [3]
وقال : إذا ما أديم القوم أنهجه البلى قديما فلو كتبته لتخرما[4]
ومما تقدم يتضح معنى النهج لغةً.
وأما معنى البلاغة لغةً: الكفاية وهي: من التبليغ بمعنى كفاية [5] والبلاغة: أي لفظ قليل يفيد معنى كثيرا وهذا معنى البلاغة [6] .
وسئل الحسن بن سهل عن البلاغة فقال: قال لي المأمون : ما البلاغة : فجعلت أفكّر فقال : دعني أقول لك ، هو ما فهمته العامّة ، ورضيته الخاصّة . قال : وما سمعت في هذا المعنى أحسن من هذا.
وقال معاوية لصحار العبديّ : ما البلاغة ؟ فقال: أن تقول فلا تبطئ ، وتصيب فلا تخطئ [7].
وعليه ..
نستوضح بصورة أكبر معنى نهج البلاغة بما بيّنه السيد الشريف الرضي [8]حيث قال:
كتاب، يحتوي على مختار كلام مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، في جميع فنونه ومتشعبات غصونه، من خطب وكتب ومواعظ وأدب ، علماً أن ذلك يتضمن من عجائب البلاغة، وغرائب الفصاحة وجواهر العربية، وثواقب الكلم الدينية والدنيوية، ما لا يوجد مجتمعاً في كلام ولا مجموع الأطراف في كتاب ، إذ كان أمير المؤمنين عليه السلام مشرع الفصاحة وموردها، ومنشأ البلاغة ومولدها، ومنه عليه السلام ظهر مكنونها، وعنه أخذت قوانينها، وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ، ومع ذلك فقد سبق وقصروا وتقدم وتأخروا، لأن كلامه عليه السلام ، الذي عليه مسحة من العلم الإلهي، وفيه عبقة من الكلام النبوي فأجبتهم إلى الابتداء بذلك ، عالماً بما فيه من عظيم النفع، ومنشور الذكر ومذخور الأجر، واعتمدت به أن أبين عن عظيم قدر أمير المؤمنين عليه السلام، في هذه الفضيلة، مضافة إلى المحاسن الدثرة [9] والفضائل الجمة ، وأنه انفرد ببلوغ غايتها عن جميع السلف الأولين ، الذين إنما يؤثر عنهم منها القليل النادر، والشاذ الشارد فأما كلامه فهو البحر الذي لا يساجل [10]، والجم الذي لا يحافل [11]، وأردت أن يسوغ لي التمثل في الافتخار به صلوات الله تعالى ، بقول الفرزدق [12]:
أولئك آبائي فجئني بمثلهم إذا جمعتنا يا جرير المجامع [13] .
ولهذا يجد المتأمل والمتفكر في كتاب نهج البلاغة الطريقة الخاصية للوصول إلى المأمول، فبلاغة مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام: لها منحى خاص حيث انها رواية تبلغ بها الغاية، غاية كل مأمول، بل كل ما يُؤمل من مطالب الدنيا والآخرة، وكل ما يُرغب لكل ما يُطلب للنفس وللجسد، ولكل معتبر عبرة، ولكل متعظ عٍظة ، ولكل متفكر فكرة، تقدح في الذهن ألف والف معنى.
ذلك هو نهج البلاغة .
ونساله التوفيق لكلما يحب ويرضى والمنفعة في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم .
السيد علي الحسني.
[1] : أخرجه الخليل الفراهيدي : في العين : ج3 ص 292
[2] : المصدر السابق نفسه :
[3] : المصدر السابق نفسه: نقلاً عن العجاج في ديوان العجاج : ص 348
3 : المصدر السابق نفسه : نقلاً عن ديوان : رؤية : ص 166
[4]: ينظر العين للخليل الفراهيدي : ج 2 هامش ص : 293.
[5] : ينظر العين للخليل الفراهيدي : ج 4 ص 421
[6]: ينظر الفيض القدير وشرح اضلجامع الصغير للمناوي : ج 1 ص : ص 721.
[7] : ينظر المصون في الأدب للحسن العسكري : في: ص 129
[8] : الشريف الرضي هو: السيد ابو الحسن محمد الرضي بن الحسن الموسوي، الذي يرجع نسب آبائه إلى الإمام موسى بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن علي بن أبي طالب صلوات الله تعالى عليهم اجمعين .
[9] : الدثرة : كسر البيت : جانب الخباء .
[10] : يساجل : يقط الرقاب : يقطعها عرضاً . فإن القطع طولا قيل : يقد .
[11] : يحافل يجدل الأبطال : يلقيهم على الجدالة كسحابة : وهي وجه الأرض .
[12] : الفرزدق هو همام بن غالب بن صعصعة بن ناجية ويجتمع هو
والأقرع بن حابس بن عقال في عقال وهو الذي عقر الجمل الذي كانت عليه عائشة : كما أورده ابن الأثير في أُسد الغابة : ج : 1 ، ص 104؛ وكذلك عرفه أيضاً أقا بزرك الطهراني في الذريعة قال: هو أبو فراس همام بن غالب بن صعصعة الدارمي التميمي المولود سنة 38 والمتوفى بالبصرة سنة عشر ومائة : الذريعة : ج 9 ص ق 2 ص 822 . وقال : خير الدين الزركلي في الأعلام : ج 5 ص 243 : الفرزدق هو : همام بن غالب.
[13] : نهج البلاغة : مقدمة الشريف الرضي : تحقيق صبحي الصالح : هامش ص 35