الباحث: سلام مكي الطائي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطيبين الطاهرين.
وبعد:
إن ّ أمرَ مجاهدة النفس في كلّ قواها أي النفس الشيطانية والأمارة بالسوء وغيرها، والسيطرة على رغباتها من الأمور المهمة في الدين الإسلامي؛ فإذا رأى الفرد نفسه تاركة لوجهة الدين الصحيح في الأعمال التي أوجبها عليه دينه، أو قيادتها له إلى الأمور المحرمة، أو لارتكاب الرذائل المذمومة أو في بعض ذلك؛ وجب عليه مراجعة نفسه ومحاربة هواها، وعليه أيضاً اللجوء إلى الالتزام بالأخلاق الحميدة([1]).
وأن يمتلك السيطرة على نفسه، ويجاهدها ويمنعها في كل ما تميل إليه وتهواه؛ فإن الله سبحانه تعالى سيكون له عونا في هذا الأمر ويجعله قادراً على مجاهدة نفسه ومحارباً لها في شهواتها ورغباتها، ويهديه إلى الصواب وطريق الحق، إذ قال الله تعالى في محكم كتابه العزيز: ﴿والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا﴾([2]).
كيفية مجاهدة النفس:
يجب على الفرد أن يقوم بكلِّ الطرائقِ والوسائل التي يمتلكها ويمكنه الاستعانة بها على نفسه؛ فإن حاربها وانتصر عليها عرف هذا الفرد الطريق الصحيح والحق فيصل إليه وإلى كل ما جاء به الدِّين الإسلامي؛ فروي أن شخصاً دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله، فقال: (يا رسول الله، كيف الطريق إلى معرفة الحق؟ فقال صلى الله عليه وآله: معرفة النفس؛ فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى موافقة الحق؟ قال: مخالفة النفس؛ فقال: يا رسول الله؛ فكيف الطريق إلى رضاء الحق؟ قال صلَّى الله عليه وآله: سخط النفس.
فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى وصل الحق؟ فقال صلى الله عليه وآله: هجرة النفس؛ فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى طاعة الحق؟ قال: عصيان النفس.
فقال: يا رسول الله؛ فكيف الطريق إلى ذكر الحق؟ قال صلى الله عليه وآله: نسيان النفس؛ فقال: يا رسول الله؛ فكيف الطريق إلى قرب الحق، قال صلى الله عليه وآله: التباعد من النفس.
فقال: يا رسول الله؛ فكيف الطريق إلى أنس الحق؟ قال صلى الله عليه وآله: الوحشة من النفس؛ فقال: يا رسول الله، فكيف الطريق إلى ذلك؟ قال صلى الله عليه وآله: الاستعانة بالحق على النفس)([3]).
جهاد النفس هو الجهاد الأكبر:
ويجب على الإنسان أن يقف من نفسه موقف الغريم المحاسب، حتى يردها إلى امتثال أمر الله ونهيه، ولا يتسامح معها ولا يتساهل؛ وذلك لأنَّ صاحبها لو طاوعها وسار بهواها، ووافقها على فعل الأشياء غير المرغوبِ بها، فإنها تأخذ بفاعلها إلى ارتكاب الذّنوب؛ فمثلا لو أصرت النفس على فعل الذَّنب فهو ذنب آخر بحدّ ذاته.
وكذلك إن الاستمرار على الجريمة هي جريمة ثانية قد تكون أكبر منها، وأيضاً إنَّ البقاء على رذيلة ثانية أيضاً تضاعف الانحراف وتناقض الاستقامة، وقد تمنع من الحصول عليها.
وهذا هو الجهاد مع النفس الذي تكاثرت النصوص الدالة على وجوبه على الإنسان وسمته (الجهاد الأكبر)؛ وذلك لطوله واستمراره ووجوب استعداد الفرد في اتخاذ اليقظة والحذر في جميع مراحله؛ لكي يكون رادعاً لنفسه ومخالفاً لشهواتها، وأيضاً لكي يكون مسيطراً عليها في كلِّ ما تأمره به هذه النفس من الذي لا يتماشى مع تعاليم الدين الإسلامي([4]).
فبهذا الخصوص روي عن أمير المؤمنين عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام: (إن رسول الله صلى الله عليه وآله بعث سرية فلما رجعوا، قال: مرحبا بقوم قضوا الجهاد الأصغر وبقي عليهم الجهاد الأكبر، قيل: يا رسول الله وما الجهاد الأكبر؟ فقال: جهاد النفس)([5]).
جهاد النفس أفضل الجهاد:
يعد جهاد النفس ومحاربتها وعدم الرضوخ إلى شهواتها وتحقيق رغباتها وما تأمر به صاحبه، من أفضل أنواع الجهاد، وهذا ما نستدّل عليه فيما روي عن الرَّسول الأكرم صلَّى الله عليه وآله، في هذا الشأن، إذ أنَّه قال: (فضل الجهاد من جاهد نفسه التي بين جنبيه)([6]).
وكذلك نجده واضحاً جلياً في كلام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام، إذ أنَّه قال: (مجاهدة النفس أفضل جهاد)([7]).
جهاد النفس صفة نبيلة:
إن الشخص الذي يستطيع على أن يجاهد نفسه والتغلب على رغباتها، ورغمها على الابتعاد عمّا تطمع على الحصول عليه، يعد من الإيمان القوي والراسخ في قلب صاحبها.
ويعد هذا الجهاد والسيطرة على النفس عنواناً لهذا الشخص النبيل الذي لم تستطع هذه النفس أن تأخذه إلى مسراها؛ فروي عن سيد الأوصياء الإمام علي بن أبي طالب عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام، أنَّه قال: (مجاهدة النفس شيمة النّبلاء)([8]).
وفي الختام، نسأل الله أن يجعلنا من الذين تغلبوا على النفس وشهواتها ورغباتها انَّه سميع مجيب، صلَّى الله تعالى على سيِّدنا ونبيّنا محمّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهرين.
الهوامش:
[1] ينظر: كلمة التقوى، الشيخ محمد أمين زين الدين: 2/320.
[2] العنكبوت:69.
[3] مستدرك الوسائل لميرزا حسين النوري الطبرسي: 11/138.
[4] ينظر: كلمة التقوى، الشيخ محمد أمين زين الدين: 2/320.
[5] الأمالي للشيخ الصدوق: 553.
[6] روضة الواعظين للفتال النيسابوري: 420.
[7] غرر الحكم لعبد الواحد الآمدي: 293
[8] م.ن.