الباحث: علي فاضل الخزاعي
الحمد لله الذي أرسل أنبياءه حجة على العالمين وعقبهم بالأوصياء تكميلا للدين المبين واصطفى منهم خمسة وهم أولو العزم وفضلهم على أنبيائه المرسلين واختار من بينهم محمدا (صلى الله عليه وآله) وجعله نبيا وآدم بين الماء والطين، وعلى أولاده المعصومين من يومنا هذا إلى يوم الدين.
أما بعد..
فلا شك إن أي نسل يرتبط بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) لابد أن يمر عليه كثير من المصائب والويلات والظلم، فكيف بالدرة المكنونة وزينة اللوح المحفوظ زينب الكبرى (عليها السلام) التي كانت تُرهب عروش الظالمين بكلامها، هذا وإن دل على شيء إنما يدل على الفصاحة والنبوغ العلمي المكتسب من أبيها أمير المؤمنين (عليه السلام) لذلك فمن الضروري بيان حياة هذه السيدة الجليلة وما جرى عليها منذ ولادتها الى حين وفاتها بإطلالة وجيزة وكيف دحرت عروش الفاسقين.
زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، القرشية الهاشمية، تُعرف بعقيلة بني هاشم، وأُمها فاطمة الزهراء بنت رسول اللَّه - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم[1].
ولدت بالمدينة في الخامس من شهر جمادى الأولى من السنة الخامسة للهجرة[2]، في بيتٍ تُتلى فيه آيات اللَّه والحكمة، جدّها المصطفى - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم، عاشت في كنف والديها المطهّريْن، وشملها كما شمل أخويها الحسن والحسين من قبل عطف جدِّها وحنانه، ولما توفي المصطفى - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم، وأُمَّها التي كانت أوّل أهل بيته لحوقاً به، حظيت برعاية أبيها - عليه السّلام، فتنسَمت عَرفَه، وسمعت حديثه وكلِمَه، ووعت مواقفه وبأسه، فانعكس ذلك كله على شخصيتها، فكان منها ما كان في طفّ كربلاء، وفي الكوفة والشام .
روت عن: أبيها الإمام علي، وأُمها فاطمة الزهراء، وعن أُمّ أيمن، وأُم سلمة، وآخرين[3].
روى عنها: ابن أخيها زين العابدين، وجابر بن عبد اللَّه الأنصاري، وابن عباس، وكان يقول: حدثتني عقيلتنا، زينب بنت علي[4] وكانت عالمة، خطيبة، فصيحة، جليلة الشأن، موصوفة بالصبر الجميل والثبات والتسليم إلى الله تعالى، وكانت ذات عبادة وتهجّد .
وكانت لها نيابة خاصة عن الإمام الحسين - عليه السّلام، وكان يُرجع إليها في الحلال والحرام في وقت مرض الإمام زين العابدين[5] - عليه السّلام، ولها خطب وكلمات تتجلى فيها بلاغتها ورجاحة عقلها، وقوة حجتها، ووعيها للقرآن الكريم والسنّة الشريفة .
قال الإمام زين العابدين - عليه السّلام وهو يخاطب عمته زينب: أنت بحمد الله عالمة غير معلَّمة، وفهمة غير مفهَّمة .
وقال ابن الأثير: كانت زينب امرأة عاقلة لبيبة جزلة؛ ثم قال: وكلامها ليزيد حين طلب الشامي أُختها فاطمة بنت علي من يزيد مشهور مذكور في التواريخ، وهو يدلّ على عقل وقوة جنان[6].
وكان لزينب (عليها السلام) في نهضة الإمام الحسين - عليه السّلام مواقف بطولية في مجابهة الظالمين وفضحهم، وفي تذكير المسلمين وتعريفهم بمقام أهل البيت ومظلوميتهم، حتى عُرفت بأنّها حاملة لواء الثورة بعد استشهاد أخيها الحسين (عليه السّلام) .
قالت وهي تخاطب الجموع المحتشدة حول ركب الأسارى من آل محمّد - صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم - في الكوفة: لقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة، ومعدن الرسالة، وسيد شباب أهل الجنّة، وملاذ حيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار حجّتكم ومِدْرَة ألسنتكم، ألا ساء ما تزرون، وبُعداً لكم وسحقا.. أتدرون أيّ كبد لرسول الله فريتم؟ وأيّ كريمة له أبرزتم؟ وأيّ دم له سفكتم؟ وأي حرمة له انتهكتم ؟..
وكان لمواقف العقيلة زينب وخطبتها بالكوفة المارة الذكر واحتجاجها على ابن زياد[7] وعلى يزيد[8] وخطبتها بالشام[9]، مع ما قام به زين العابدين أكبر الأثر في إحداث هزة في الضمائر، وإثارة الرأي العام، الأمر الذي اضطر معه يزيد إلى التظاهر بالندم، واستنكار ما فعله ابن زياد من جرائم بحق آل الرسول - صلَّى الله عليه وآله وسلَّم - .
وكانت زينب قد تزوجت من ابن عمّها عبد الله بن جعفر الطيار، فولدت له علياً، وعون الأكبر، وعباساً، ومحمداً، وأُم كلثوم[10]، وقد استشهد عون ومحمد مع خالهما الحسين -عليه السّلام في معركة الطف في العاشر من المحرم سنة إحدى وستين.
اختُلف في مكان وفاة السيدة زينب ومدفنها، فقيل: إنّها توفيت ودفنت بالمدينة، وقيل: توفيت بالشام[11]، وهو الأصح وقبرها مزار عظيم في دمشق.
هذه نبذة مختصرة للسيدة الجليلة زينب الكبرى بنت أمير المؤمنين (عليهما السلام) وكيف ذلت الحاقدين وعروش الظالمين بلسانها الفصيح والبليغ، فنسأل الله أن تنجينا بشفاعتها من ضغطة القبر وعند المحشر ببركة الصلاة على محمد وآل محمد.
الهوامش:
[1] الطبقات الكبرى لابن سعد: 6/ 212 و 8 / 463 و 465، أخبار الزينبات ليحيى بن الحسن 111، 122، الإرشاد 186، 243، 246، الاحتجاج للطبرسي: 2 /305 - 303، مقتل الحسين للخوارزمي: 2 / 64 - 62، الكامل في التاريخ: 4/ 86 - 81، أُسد الغابة: 5/ 469، مختصر تاريخ دمشق لابن منظور: 9 / 177 برقم 77 .
[2] وقيل: في السنة السادسة . (موسوعة طبقات الفقهاء): 1/361.
[3] روايتها عن علي - عليه السّلام - وعن أُم أيمن ورواية زين العابدين عنها: كامل الزيارات: باب 88/ 261، 266 .
[4] مقاتل الطالبيين: 91.
[5] كمال الدين: 501، الباب 45، الحديث 27، وتنقيح المقال: 3 - 79.
[6]أُسد الغابة: 5/ 469.
[7] الإرشاد: 243/244، وتاريخ ابن الأثير: 4/81 .
[8] الإرشاد: 246، وتاريخ ابن الأثير: 4/86 .
[9] رواها ابن طاووس في كتاب «الملهوف على قتلى الطفوف» منها: أظننتَ يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض وآفاق السماء فأصبحنا نُساق كما تُساق الأسارى أنّ بنا هواناً على الله وبك عليه كرامة فمهلًا مهلًا لا تطش جهلًا، أنسيت قول الله تعالى: ((لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ).«سورة آل عمران - 178».
[10] أسد الغابة: 5 - 469.
[11] ينظر موسوعة طبقات الفقهاء: 1/361-364.