معركة الجمل بين إخبار النبي وقتال الوصي.

مقالات وبحوث

معركة الجمل بين إخبار النبي وقتال الوصي.

7K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 05-01-2020

الباحث: علي عباس فاضل
الحمد لله الذي نصر الأحزاب وحده، وأعز جنده، والصَّلَاة والسَّلَام على خير خلقه محمد وآله، وبعد...
 معركة الجمل هي أول معركة لأمير المؤمنين (عليه السلام) بعد توليه الخلافة، فقد خرج عليه الناكثون للبيعة الخارجون عن أمر رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، لا لشيء إنَّما حسدا وبغضا بأمير المؤمنين (عليه السَّلَام)، وخوفا من إحقاق الحقِّ على يده، وطمعا بهوى الدنيا.
ولا بد من بيان أسباب هذه المعركة ومناقشتها، وبيان موقف أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) وأصحابه منها، وما ذكرته المصادر، ذاكرين حكم الخروج على الإمام في الشريعة، التي كان يتبعها الخارجون، وماذا فعل من كان قبل أمير المؤمنين (عليه السلام) بأمثالهم.
فقد ذكرت الروايات أن النَّبيّ (صلَّى الله عليه وآله) قد ذكر أحداثا تقع قبل هذه المعركة وفيها، أي إنه نقل لهم ما سيحدث فيها، وقال هذا لبعض زوجاته  فقد روي عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ: ((أَيَّتُكُنَّ صَاحِبَةُ الْجَمَلِ الْأَدْبَبِ، يَنْبَحُها كلاب الحوْأب، يُقْتَلُ حَوْلَهَا قَتْلَى كَثِيرَةٌ تَنْجُو بَعْدَمَا كَادَتْ)) ([1])، والتقدير: بعدما كادت ألّا تنجو. فهذا الحديث يدل على تحذيرهن من هذه الواقعة وأنها ستكون في ضلال، وعليها ألّا تذهب، لكن كان منها ما هو عكس ذلك، إذ ذهبت على جملها الأدبب، ونبحتها كلاب الحوأب، لكنها لم تنته ممّا عمدت إليه، فقتل بسببها مقتلة عظيمة حتى كادت أن تهلك، لكن أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) ردَّها إلى بيتها بأخلاق المقاتل المسلم المؤمن المحبِّ لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وقد أوصاه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بها، فقد روي أن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قال لِعَلِيّ (عليه السَّلَام): سيكون بينك وبين عائشة أمر: قال: أنا يا رسول الله ؟ ! قال: نعم. قال: أنا؟! قال: نعم. قال: فأنا أشقاهم يا رسول الله؟! قال: لا. ولكن إذا كان ذلك فارددها إلى مأمنها([2]). وقد فعل بما أوصاه وكيف لا يكون ذلك من خير الخلق بعد نبيه (صلى الله عليه وآله)، وكلاهما بعضه من بعض، ولم يكن التحذير  هذا محصورا بعائشة فقد حذر رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) الزبير، ذلك أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ (صلَّى الله عليه وآله) لَقِيَهُمَا (عَلِيّ  والزّبير) فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالَ: «أَتُحِبُّهُ يَا زُبَيْرُ؟» فَقَالَ: وَمَا يَمْنَعُنِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ [وآله] وَسَلَّمَ: «فَكَيْفَ أَنْتَ إِذَا قَاتَلْتَهُ وَأَنْتَ ظَالِمٌ لَهُ؟([3])، ويدل على أن الله سبحانه أوحى للنبي (صلى الله عليه وآله) بهذه الحوادث التي تجري على أمير المؤمنين (عليه السلام) وقد حذرهم من الوقوف ضده فهو مع الحق حيثما دار.
أما أحداث المعركة فكانت بعد أن بايع الناس أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) وبايعه طلحة والزبير طمعا بنيل إمارة منه([4])، ولكنه لم يوليهم أيَّ منصبٍ، بعدها طلبا منه أن يسمح لهما بالعمرة، ولم يكن قصدهما العمرة كما ذكر لهما الإمام (عليه السَّلَام)، فأذن لهما فانطلقا إلى مكة التي كانت فيها عائشة تحرض الناس على أمير المؤمنين (عليه السلام)، بدعوى المطالبة بدم عثمان، ولا أدري ما العلاقة التي تربطها بعثمان حتى تكون هي ولي دمه!، فالتحق بها طلحة والزبير اللذان نكثا بيعة أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) وانضما إلى المطالبين بدم عثمان وكأنّهم ولي الدم!، ولم يكن دم عثمان إلّا ذريعة لهم بالخروج على طاعة أمير المؤمنين (عليه السَّلَام)؛ لأنهم أصبحوا مجردين عمّا كانوا عليه من السلطة والأموال التي تدفع لهم من الذين تولوا الحكم قبل أمير المؤمنين (عليه السلام)، ولهذا فهم من قتل عثمان؛ لأنّهم اختلفوا معه، فها هي عائشة تحرض على قتل عثمان عندما طالبته بإرث رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) لكنه رفض طلبها، فقالت أقتلوا نعثلاً فقد كفر([5]).
 وهكذا لم يكن خروجها للإصلاح، ولكنّها علمت بأنَّ أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) أصبح هو الخليفة، لذا ثارت ضدَّه بغضًا به وحسدًا، ولأنَّه لن يتعامل معها كما كان يعامل الذين سبقوه، الذين كانوا يغدقون عليها الأموال وغيرها.
يـقول فيـهم أمير المؤمنين (عليه السَّلَام): ((فَخَرَجُوا يَجُرُّونَ حُرْمَةَ رَسُولِ اللهِ (صلى الله عليه وآله) كَمَا تُجَرُّ الأمَةُ عِنْدَ شِرَائِهَا، مُتَوَجِّهِينَ بِهَا إِلَى الْبَصْرَةِ، فَحَبَسَا نِسَاءَهُمَا فِي بُيُوتِهِمَا، وَأَبْرَزَا حَبِيس رَسُولِ اللهِ (صلَّى الله عليه وآله) لَهُمَا وَلِغَيْرِهِمَا، فِي جَيْش مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ إِلاَّ وَقَدْ أَعْطَانِي الطَّاعَةَ، وَسَمَحَ لِي بِالْبَيْعَةِ، طَائِعاً غَيْرَ مُكْرَه، فَقَدِمُوا عَلَى عَامِلِي بِهَا وَخُزَّانِ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِهَا، فَقَتَلُوا طَائِفَةً صَبْراً، وَطَائِفَةً غَدْراً))([6]).
وهذا النص يظهر ما قام به هؤلاء الناكثون بالبيعة حتى أخذوا يجرون حرم رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وتركوا نساءهم معززة مكرمة في بيوتهن، وكلُّ من معهم قد بايعَ أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) طوعًا دون إكراه، فذهبوا نحو البصرة ونبحتهم كلاب الحوأب([7])، ثم توجهوا إلى البصرة فلقيهم أهلها فقاتلوهم، ومن ثم اتفقوا مع عثمان بن حنيف على إنهاء القتال وأن يبقى هو الوالي على البصرة والمتصرف في بيت المال، ثم نكثوا به وسيطروا عليها وعزلوه وسجنوه وعذبوه حتى نتفوا شعر رأسه ولحيته، ونهبوا بيت المال، وقتلوا ما قتلوا([8])، وبعد كل هذا يأتي من يقول إنهم ذهبوا للإصلاح ومحاربة الفساد والقضاء على قتلة عثمان.
وبعد أنْ التقى الجيشان في معركة كبيرة قتل فيها خلق كثير غالبيتهم من الناكثين، قُتل فيها طلحة والزبير، وعُقر جمل عائشة وسقط هودجها وحمله أخوها محمد بن أبي بكر وهو من شيعة أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) وعمار بن ياسر، ثم وضعوها في بيت بالبصرة حتى جهز لها أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) جيشا من النساء سار معها إلى المدينة حتى بيتها معززة مكرمة احتراما لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله)؛ لأنّه قد أوصاه بها. فقد جاء عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: ذَكَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله خُرُوجَ بَعْضِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، فَضَحِكَتْ عَائِشَةُ، فَقَالَ: انْظُرِي يَا حُمَيْرَاءُ، أَنْ لَا تَكُونِي أَنْتِ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى عَلِيٍّ (عليه السَّلَام) فَقَالَ: إِنْ وُلِّيتَ مِنْ أَمْرِهَا شَيْئًا فَارْفُقْ بِهَا([9]). وهكذا كان أمير المؤمنين (عليه السَّلَام) ملتزما بوصايا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ولم يخالفها كما فعل بعضهم ومنهم عائشة التي حذرها من هذه المعركة وقال لها أن لا تكوني أنت ومع تحقق كل ما قاله رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) لها، إلّا أنّها أصرّت على الخروج مخالفة بذلك أمر الله سبحانه وتعالى المتمثل بقوله تعالى: ((يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ))([10]) وأمر رسوله (صلى الله عليه وآله).
وفي الختام تسأل الله أن يوفقنا في نصرة أوليائهـ ويجعلنا معهم في الدنيا والآخرة، إنه سميع الدعاء.
الهوامش:
([1]) ينظر: مسند البزار: 11/ 73، وينظر: شرح مشكل الآثار: 14/ 265.
 ([2])ينظر: مسند أحمد بن حنبل: 45/ 175، وينظر: الغدير، الشيخ الأميني: 3/ 195.
([3]) ينظر: جامع معمر بن راشد: 11/ 241، وينظر: الكتاب المصنف ابن ابي شيبة: 7/ 545، وينظر: المستدرك على الصحيحين، النيسابوري: 3/ 412.
([4]) ينظر: تاريخ مختصر الدول: 105.
([5]) ينظر: الفتنة ووقعة الجمل، سيف بن عمر الأسدي التَّمِيمي (ت: 200هـ)، تحقيق: أحمد راتب عرموش، ط7، دار النفائس، 1413هـ/1993م: 115- 116، وينظر: تاريخ الطبري: 4/ 458- 459، وينظر: الكامل في التاريخ: 2/ 570.
([6]) نهج البلاغة، تحقيق: الشيخ قيس بهجت العطار: 381- 382.
([7]) وأول من شهد طلحة والزبير أنه ليس هذا ماء الحوأب، وخمسون رجلًا إليهما، وكانت أول شهادة زور دارت في الإسلام. ينظر: العواصم من القواصم في تحقيق مواقف الصحابة بعد وفاة النبي صلى الله عليه [وآله] وسلم، ابن العربي: 148، وينظر: الروض المعطار في خبر الأقطار، الحِميرى: 206.
([8]) ينظر: تاريخ الطبري: 4/ 468 – 469.
([9]) المستدرك على الصحيحين: 3/129، وينظر: شرف المصطفى: 4م 65.
 ([10])سورة الأحزاب: 32-33.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2637 Seconds