السَّيد نبيل الحسني.
الحلقة الثالثة: أين كان نور فاطمة (عليها السلام) قبل خلق آدم (عليه السلام)؟
حينما علم الناس أن فاطمة عليها السلام قد خلقها الله عز وجل من نوره قبل أن يخلق آدم إذ كانت الأرواح، لزم عليهم الآن أن يعلموا أين كانت قبل خلق آدم (عليه السلام)؟ إذ إن هذا الوجود النوّراني يقتضي أن ينال محلاً خاصاً.
ولذا: أتبعوا جواب النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) على سؤالهم عن كيفية أن تكون فاطمة حوراء إنسية بسؤال جديد فقالوا: (يا نبي الله، وأين كانت فاطمة)؟
فقال (صلى الله عليه وآله وسلم):
((كانت في حقة تحت ساق العرش)).
وللوقوف على دلالة الحديث وبيان معناه لا بد لنا من الرجوع إلى أمرين، الأمر الأول: الدلالة اللغوية، والثاني: الدلالة الوجدانية.
فالحقة: هي الوعاء، ومنه حُقَّة نقود، وهو وعاء مغلق مثقوب تحفظ فيه النقود[1] والحقوة هي الأزرار[2].
أي بمعنى: إنها (عليها الصلاة والسلام)، كانت في وعاءٍ تحت ساق عرش الله عزّ وجلّ.
أما الدلالة الوجدانية العقلائية.
فالحديث فيه بيان لمنزلتها الكبيرة عند الله تعالى، بل إنه يشير إلى الاعتناء الخاص بفاطمة (عليها السلام).
لأن الناس باختلاف ثقافاتهم وإدراكهم ومعتقداتهم إذا أراد الفرد منهم أن يتعامل مع الأشياء الثمينة والمهمة فأنه يضعها في مكان خاص ويحيطها بوسائل عدة ليحفظها، وتراه يحرص عليها أشد الحرض ولا يبديها إلاّ لأخلص خلصائه؛ علماً أن الغاية في فعل ذلك قد تختلف بحسب نوع هذا الشيء الثمين وأهميته، ومن خلال هذه الأهمية يتحدد نوع الوسيلة والأسلوب المتبع في التعامل مع هذه الأشياء؛ فمنهم من يفعل ذلك حباً لهذا الشيء، ومنهم من يفعل ذلك خوفاً من أمر ما، ومنهم من يكون الباعث في فعله الاستعانة؛ إلى غيرها من العلل والغايات في سلوك هذا الأسلوب.
إلا أن الجامع المشترك في جميع هذه الغايات والعلل هو: أهمية هذا الشيء وثمنه ونفاسته، وكلما كبرت هذه المعاني كبر حجم الاعتناء بهذا الشيء الثمين.
ومن هذا المعنى: فإن وجود فاطمة (عليها السلام) في حقة تحت ساق العرش هو: غاية كبرى في الاهتمام والعناية.
وهي عند الله تعالى بمحل لا يعمله إلا هو سبحانه، لأنه صاحب العرش وهو أعلم بما تكون فاطمة (عليها السلام) التي جعلها في وعاء تحت ساق العرش، جلت قدرته، وعز شأنه فسبحان من،
P لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَO [3].
إلا أن اشتياق الناس إلى معرفة المزيد قد بادروا إلى سؤال جديد يقتضيه مصداق كونها في حقة تحت ساق العرش، فيا ترى ماذا سألوا؟
هذا ما سنعرض له في الحلقة القادمة...
الهوامش:
[1] المنجد في اللغة ص 306.
[2] لسان العرب: ج3، ص 226، (مادة: حق).
[3] سورة الأنبياء، الآية: 23.