البَاحِث: سَلَام مَكيّ خضَيّر الطَّائِيّ
الحمدُ لله ربّ العالمين، والصَّلَاة والسَّلَام على أشرف الأنبياء والمرسلين، أبي القاسم مُحَمَّد وآله الطَّيِّبين الطَّاهِرِين، واللعن الدَّائم على أعدائهم إلى قيام يوم الدِّين...
أمَّا بعد...
فإنَّ الله تعالى عندما ينزل البلاء على عبده، فلا بد لهذا البلاء من أسباب، كالغفلة عن ذكره سبحانه أو غير ذلك، لكنّ مثلما هناك أسباب فلابد من وجود سبل لدفع هذا البلاء بشتى أنواعه، فمن هذه السّبل التي لها دور فعَّال في استنزال رحمة الله تعالى ودفع البلاء عن الإنسان وتجعله قريبًا منه (سبحانه وتعالى)، هي: (الصَّدقة).
فالبلاء: وهو ما يبتلى به الإنسان ويمتحن به من النَّوائب والمصائب والمكاره الثقيلة على النَّفس[1]، وهذا البلاء يدفعه الله تعالى عن الإنسان بالصَّدقة التي يبذلها في سبيل الله تعالى ليبعد عنه ما ينزل عليه من السَّماء بأمره تعالى، فالصَّدقة بنوعيها (العلانيَّة والسّريَّة)، تُعد من أحد الأبواب التي فتحها الله تعالى للإنسان المؤمن للجوء إليه، والسبل في استنزال رحمته وعفوه وغفرانه ودفعه للبلاء عنه، وجعل لها آثارًا وفوائد تنعكس على صاحبها بالإيجاب، فيأتي دور الصَّدقة في دفع البلاء بجميع أنواعه.
ومن فوائد الصَّدقة وآثارها ودورها في دفع البلاء: أنها أحد السبل التي بها يدفع ويُردّ القضاء الأبرم أي: الموت، وهذا ما ورد عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) في وصيته لِلإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) أنه قال له: (يا عَلِيّ، الصَّدقة ترد القضاء الذي أبرم ابرامًا)[2]، وأيضَا أنها من أفضل ما يتوسل به إلى الله تعالى في رفع الغمة والهموم ودفع البلاء والتكفير عن الخطيئة والذنب الذي يقترفه المرء، وتدفع عنه موتة السوء، وهذا ما أكَّده ما روي عن أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه السَّلَام) أنَّه قال: (إنّ أفضل ما يتوسّل به المتوسّلون: الايمان بالله، ... وصدقة السرّ، فإنّها تكفّر الخطيئة وتطفئ غضب الربّ (عزّ وجلّ)، وصدقة العلانيَّة فإنّها تدفع ميتة السّوء ...)[3]، وحثّ (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) على بذل الصَّدقة ليلًا لما فيها من آثار عظيمة، إذ إنَّه قال: (تصدّقوا بالليل فإنّ صدقة الليل تطفئ غضب الربّ (جلّ جلاله))[4]، وعن أبي عبد الله (عليه السَّلَام) يقول: (بكروا بالصَّدقة وارغبوا فيها فما من مؤمن يتصدَّق بصدقة يريد بها ما عند الله، ليدفع الله بها عنه شر ما ينزل من السَّماء إلى الأرض في ذلك اليوم إلَّا وقاه الله شرّ ما ينزل من السّماء إلى الأرض في ذلك اليوم)[5].
وإنَّ من آثار الصدقة في دفع البلاء أيضًا: أنَّ العلانيَّة منها تدفع عن المرء ميتة السوء التي تحل بالإنسان، فهنا يأتي دور الصَّدقة في الخلاص من هذه الأشياء، فتأكيدًا لما تكلمنا به وذكرناه، ما جاء عن سيِّد الموَّحدين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) أنَّه قال: (... وصدقة العلانيَّة فإنّها تدفع ميتة السّوء ...)[6]، وقال (عليه السَّلَام): (الصَّدقة تقي مصارع السّوء)[7].
وعن أبي عبد الله (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) قال: (صدقة العلانية تدفع سبعين نوعا من أنواع البلاء، وصدقة السر تطفي غضب الرب)[8].
ومن آثار الصدقة أيضًا بوصفها أحد السبل في دفع البلاء عن المرء، فهي: تدفع عنه الأسقام والأوجاع، وأهم ما يتداوى ويتشافى به المريض، وهذا ما أكَّد عليه الرَّسول الأكرم مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله) وحثَّنا عليه، فروي عن أبي جعْفَر مُحَمَّد بن عَلِيّ الباقر (عليهما السَّلَام) عن آبائه (صلوات الله تعالى وسلامه عليهم)، عن النَّبيّ الأكرم مُحَمَّد (صلَّى اللَّه عليه وآله) قال: (الصَّدقة تدفع البلاء المبرم فداووا مرضاكم بالصدقة)[9]، فعلينا بالصَّدقة في دفع البلاء لا سيما بلاء المرض، لكي نحظى بالعافية والشفاء من الأسقام.
وعن الإمام الكاظم (عليه السًّلَام): إنَّ رجلًا شكى إليه أنني في عشرة نفر من العيال كلهم مريض فقال (عليه السَّلَام) له: (داوهم بالصَّدقة، فليس شيء أسرع إجابة من الصَّدقة ولا أجدى منفعة للمريض من الصَّدقة)[10]، ويستحبّ للمريض أن يقوم هو بدفع الصدقة عن بنفسه، ويسأل من أعطاه وتصدَّق عليه أن يدعو له[11]، فجاء ذلك عن أبي عبد الله جَعْفَر بن مُحَمَّد الصَّادِق (عليهما أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) بقوله: (يستحبّ للمريض أن يعطي السّائل بيده، ويؤمر السّائل أن يدعو له)[12].
وأيضًا أنًّها تُعد من أهم السبل والأسباب التي يلجأ إليها المرء في استنزال الرزق من الله تعالى والمباركة فيه، فروي عن أمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (صلوات الله تعالى وسلامه عليه) أنَّه قال: (إِذَا أَمْلَقْتُمْ فَتَاجِرُوا الله بِالصَّدَقَةِ)[13]، أي: إذا خشي المرء الفقر فيعامل الله تعالى بالتصدق للفقراء فإن من كان معاملته مع الله تعالى يغنيه الله سبحانه بفضله وكرمه بإعطاء الخلف في الدنيا والثواب في الآخرة قال الله تعالى: ﴿من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة﴾([1])، ولما كان يستعيض العبد من الله تعالى في هذه التجارة بل يأخذه منه تعالى بدليل قوله (صلَّى الله عليه وآله): (الصدقة تقع في كف الرحمن قبل أن تقع في كف الفقير، ولهذا لا رجوع فيها، شبه بالمعامل ونزل منزلته حثا للناس على الصدقات والخيرات وتعظيما لشأن المواساة والمبرات)[14].
على من تجب الصَّدقة؟
إنَّ الصّدَقة تجب على فئات معينة من الناس، فمنها: فئة الأرحام والأقارب، الذين يرتبطون ارتباطًا وثيقًا مع صاحب الصَّدَقة، وقد يكون التَّصدّق على فئة الأرحام من شروط قبول الصَّدقة من قبل الله تعالى، فروي عن النَّبيّ الأكرم مُحَمَّد (صلَّى الله عليه وآله) قال لِأمير المؤمنين الإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام) في وصيته له: (... يا عَلِيّ، لا صدقة وذو رحم محتاج).[15]
وعنه (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام): (قال سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله): أي الصّدقة أفضل؟ قال (صلَّى الله عليه وآله) على ذي الرحم الكاشح)، والمراد به المعادي[16].
عقد النيَّة في بذل الصَّدقة:
بعد ما علمنا دور وآثار الصَّدقة في دفع البلاء عن الإنسان، فلا بد من تحقق شرط مهم في قبول الصَّدَقة، وهي: (النيَّة في بذل الصَّدقة)، أي: أن تكون الصَّدقة خالصة لوجه الله تعالى ولا يراد بها غيره، فروي عن النَّبيّ الأكرم (صلَّى الله عليه وآله) في وصيته لِلإمام عَلِيّ بن أبي طالب (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام): (... يا عَلِيّ، لا خير ... في الصَّدقة إِلَّا مع النيّة)[17].
ففي ختام موضوع بذل الصدقة ودورها في دفع البلاء عن المتصدق بها وباذلها: لا يسعنا إلَّا أن نسأل الله العَلِيّ القدير أن يرفع هذه الغمة عن هذه الأمة بحق مُحَمَّد وآل مُحَمَّد وبفضل الصَّلَاة عليهم (اللهم صلِّ على مُحَمَّد وآلِ مُحَمَّد الطَّيِّبين الطَّاهِرِين والغر الميامين المنتجبين)...
الهوامش:
([1]) سورة البقرة: 245.
[1] شرح أصول الكافي، مولى محمد صالح المازندراني: 9/8.
[2] كلمة التقوى، الشَّيخ مُحَمَّد أمين زين الدِّين: 6/169.
[3] المحاسن، أحمد بن محمَّد بن خالد البرقي: 1/289.
[4] مسند الإمام عَلِيّ (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، السَّيِّد حَسَن القبانجي: 4/69.
[5] الكافي، الشَّيخ الكُلَيني: 5.
[6] المحاسن، أحمد بن محمَّد بن خالد البرقي: 1/289.
[7] موسوعة أحاديث أهل البيت (صلوات الله تعالى وسلامه عليهم)، الشَّيخ هادي النَّجفي: 6/62.
[8] كلمة التقوى، الشَّيخ مُحَمَّد أمين زين الدِّين: 6/169.
[9] مستدرك سفينة البحار، الشَّيخ عليّ النَّمازي الشَّاهرودي: 6/237.
[10] مصباح الهدى في شرح العروة الوثقى، الشيخ محمد تقي الآملي: 5/339.
[11] المصدر نفسه: 5/339-340.
[12] هداية الأمَّة إلى أحكام الأئِمَة (صلوات الله تعالى وسلامه عليهم)، الحرّ العامليّ: 4/111.
[13] كلمة التقوى، الشَّيخ مُحَمَّد أمين زين الدِّين: 6/169.
[14] ينظر: شرح كلمات أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه أفضل الصَّلَاة والسَّلَام)، عبد الوهاب: 60-61.
[15] كلمة التقوى، الشَّيخ مُحَمَّد أمين زين الدِّين: 6/169.
[16] كلمة التقوى، الشَّيخ مُحَمَّد أمين زين الدِّين: 6/169.
[17] كلمة التقوى، الشَّيخ مُحَمَّد أمين زين الدِّين: 6/169.