الباحث: علي عباس فاضل
الحمد لله الذي أنعم على عباده بمحمد وآله، الأئمة الداعين إلى الهدى، ذرية بعضها من بعض، خاتمهم حجة الله على خلقه، القائم بأمره، مالئ الدنيا قسطا عدلا، يعدما ملئت ظلما وجورا، صلوات ربي عليهم أجمعين، وبعد
في هذه الإيام المباركة من شعبان الخير تمر في النصف منه مناسبة عظيمة على الأمة الإسلامية جمعاء، إذ بزغ فيها نور المنقذ، بين أرجاء المدينة، ولادة فيها من المعاجز الكثيرة منها:
خفاء الحمل:
خفاء الحمل جعله الله تعالى من المعاجر التي تخص الأنبياء والأوصياء حفاظا عليهم من بطش الفئة الضالة من حكام الجور في زمانهم، كفرعون في زمن موسى، وبني امية وبني العباس في زمن آل البيت (عليهم السلام)، ((قالت السيّدة حكيمة بنت الإمام الجواد وأُخت الإمام الهادي وعمّة الإمام العسكري (عليهم السلام): دخلت يوماً على أبي محمّد (عليه السلام)، فقال: «يا عمّة بيتي عندنا الليلة، فإنّ الله سيظهر الخلف فيها» قلت: وممّن؟ قال: «من نرجس»، قلت: فلست أرى بنرجس حملاً؟ قال: «يا عمّة إنّ مثلها كمثل أُمّ موسى لم يظهر حملها بها إلّا وقت ولادتها» فبتّ أنا وهي في بيت، فلمّا انتصف الليل صلّيت أنا وهي صلاة الليل، فقلت في نفسي: قد قرب الفجر ولم يظهر ما قال أبو محمّد، فناداني أبو محمّد (عليه السلام) من الحجرة: «لا تعجلي»))([1]).
فأول هذه المعاجر هي خفاء الحمل، وهي معجزة حدثت لأم النبي موسى (عليه السلام)، إذ أخفى الله حملها على الناس، لما كان من أمر فرعون في قتل كل الأطفال المولودين حديثا([2]).
المتكلم في بطن أمه:
وبعد ذلك تقول السيدة حكيمة: ((فرجعت إلى البيت خجلة، فاستقبلتني نرجس وهي ترتعد، فضممتها إلى صدري، وقرأت عليها «قل هو الله أحد» و«إنّا أنزلناه»، وآية الكرسي، فأجابني الخلف من بطنها يقرأ كقراءتي))([3]).
وهذه المعجزة الأخرى التي هي من المعاجز التي ينفرد بها محمد وآله، وهي التكلم في بطن الأم.
المولود ساجدًا والمتكلم في المهد:
ثم تكمل السيدة حكيمة ((قالت: وأشرق نور في البيت، فنظرت فإذا الخلف تحتها ساجد لله تعالى إلى القبلة، فأخذته، فناداني أبو محمّد(عليه السلام) من الحجرة: «هلمّي بابني إليّ يا عمّة» قالت: فأتيته به، فوضع لسانه في فيه وأجلسه على فخذه، وقال: «انطق يا بني بإذن الله»، فقال: «أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ)([4])، وصلّى الله على محمّد المصطفى وعلي المرتضى وفاطمة الزهراء، والحسن والحسين، وعليّ بن الحسين، ومحمّد بن عليّ، وجعفر بن محمّد، وموسى بن جعفر، وعليّ بن موسى، ومحمّد بن عليّ، وعليّ بن محمّد، والحسن بن عليّ أبي))([5]).
وما أن ولد حتى خر ساجدا لله سبحانه متوجها نحو القبلة، وهذه أيضا من المعاجز التي لم ترد لأحد غير محود وآله (صلوات الله عليهم أجمعين)، ومن ثم تحدث إلى أبيه وتلى القرآن الكريم، وهذه الآيات الكريمة تدل على الاحداث التي ستكون في إمامته (عجل الله فرجه)، وانه سيقيم العدل والقسط، بعد ما طغى الظلم والجور في الأرض.
رعاية الملائكة:
ثم حفت الملائكة بالدار مستبشرة لمولده المبارك ((قالت السيّدة حكيمة: وغمرتنا طيور خضر، فنظر أبو محمّد إلى طائر منها فدعاه، فقال له: «خذه واحفظه حتّى يأذن الله فيه، فإنّ الله بالغ أمره». قالت السيّدة حكيمة: قلت لأبي محمّد: ما هذا الطائر، وما هذه الطيور؟ قال: «هذا جبرئيل، وهذه ملائكة الرحمة». ثمّ قال: «يا عمّة ردّيه إلى أُمّه كي تقرّ عينها ولا تحزن، ولتعلم أنّ وعد الله حقّ، ولكنّ أكثر الناس لا يعلمون»، فرددته إلى أُمّه، قالت السيّدة حكيمة: ولمّا ولد كان نظيفاً مفروغاً منه، وعلى ذراعه الأيمن مكتوب: (جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً)([6])))([7]).
وخاتما: نسأل الله العلي القدير أن يعجل في فرج مولانا صاحب العصر والزمان وأن يجعلنا من أنصاره ومحبيه، إنه سميع مجيب.
الهوامش:
([1]) الخرائج والجرائح، الراوندي: 455.
([2]) ينظر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: 12/ 181.
([3])الخرائج والجرائح، الراوندي: 455.
([4]) سورة القصص: 5- 6.
([5]) الخرائج والجرائح، الراوندي: 455- 456.
([6]) سورة الإسراء: 81.
([7]) الخرائج والجرائح، الراوندي: 456.