السَّيِّد: نبيل الحَسَني
الحمد لله رب العامين والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين محمد وآله الطاهرين...
أقترن أسم العيديّة بالعيد؛ والعيد كلُّ يوم فيه جمعٌ – يصحبه الفرح والسرور بعودة هذا اليوم-، واشتقاقه من عاد يعود كأنهم عادوا إليه وقيل: اشتقاقه من العادة؛ لأنهم اعتادوه، والجمع أعياد.
وعيّد المسلمون: شهدوا عيدهم.
والعيدُ عند العرب الوقت الذي يعودُ فيه الفرح والحزن؛ لأن الأصل فيه العود. وقيل: سمي العيدُ (عيداً) لأنه يعود كلّ سنة بفرحٍ مجدّد([1]).
كما قال أهل اللغة عن (العيديّة): نوق من كرام النجائب منسوبة إلى فحل منجب([2]). وهي بهذا البيان تكون منفصلةّ عن مقصود العيد؛ ولذا كان من الأنسب إرجاعها إلى ((العائدة)) أي: المعروف، والصلة، والعطف والمنفعة([3]).
فهي بهذا البيان يستقيم معناها الذي التصق بالعيد. والذي اعتاده الناس من قدوم العيد.
العيديّة في القرآن.
جاءت (العيديّة) في القرآن مستترة تحت ظل العيد في قوله تعالى:
{قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا وَآَيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ}([4]).
قال العلامة الطباطبائي في تفسيره: ((ولما ألحوا عليه فأجابهم عيسى عليه السلام إلى ما اقترحوا عليه والتمسوه وسأل ربه أن يكرمهم بها، وهي معجزةٌ مختصة في نوعها بأمته لأنها الآية الوحيدة التي نزلت إليهم عن اقتراح في أمر غير لازم ظاهراً وهو أكل المؤمنين منها، ولذلك عنونها عليه السلام عنواناً يصلح به أن يوجه الوجه بسؤاله إلى ساحة العظمة والكبرياء فقال:
{اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآَخِرِنَا}
(فعنوانها بعنوان: العيدية).
والعيد عند قوم هو اليوم الذي نالوا فيه موهبة أو مفخرة مختصة بهم من بين الناس وكان نزول المائدة عليهم منعوتاً بهذا النعت))([5]).
ويبدو من هذا البيان الذي أورده العلامة رحمه الله أن عيسى عليه السلام لما وجد أن هذا الطلب لا يليق من الناحية الأدبية في الدعاء قام فقدم طلبه إلى الله تعالى ضمن عنوان العيدية التي خص الله بها بني إسرائيل في عيدهم، لأن العيدية هي الموهبة والفائدة والهدية والصلّة والمنفعة سواء كانت من قبيل الإطعام أو تقديم المال أو شراء الملابس والحلي أو غيرها مما تقدم من شخص لآخر في يوم محدد هو العيد ويكون العكس صحيحاً أيضاً، بمعنى: كل ما من شأنه أن يعود على غلى الإنسان بموهبة أو مفخرة فهو عيد وعيديته هذا الموهبة. كما حصل لبني إسرائيل في نزول المائدة عليهم من السماء في العيد فكانت عيديتهم في ذلك الوقت.
ثم قاموا بعد ذلك بتوظيف هذه العيدية في كل عام عبر الإنفاق والإطعام وإعداد الحلوى التي يتم تحضيرها غالباً في ليلة العيد.
الفائدة من فعل نبي الله عيسى عليه السلام هو أنه أراد أن يضع في المجتمع نهجاً تربوياً يسيرا عن طريقه بنو إسرائيل على التواصل والتواد والتراحم فيما بينهم عند عودة العيد في كل عام. وبالطبع هذا لا يكون إلا من عبر العيدية.
وهذا هو الذي حث عليه أئمة أهل البيت عليهم السلام في معرض بيانهم لمعنى العيد، أي: إنهم وعن طريق القرآن الكريم قد وظفوا هذه المناسبات توظيفاً روحياً واجتماعياً بما يتناسب مع معنى عودة العيد بالفرح والسرور.
1ـ عن أبي جَعْفَر البَاقِر (عليه السَّلَام) إنَّه قال: ((من أدخل على رجلٍ من شيعتنا سروراً فقد أدخله على رسول الله وكذلك من أدخل عليه أذىً أو غماً))([6]).
3ـ وقال الإمام الصادق (عليه السَّلَام): ((من أدخل على مؤمن سروراً خلق الله عز وجل من ذلك السـرور خلقاً فيلقاه عند موته فيقول له: ابشـر يا ولي الله بكرامة من الله ورضوان منه، ثم لا يزال معه حتى يدخل قبره، فيقول له مثل ذلك فإذا بعث تلقاه فيقول له مثل ذلك، فلا يزال معه في كل هول يبشـره ويقول له مثل ذلك، فيقول له: من أنت رحمك الله؟. فيقول: أنا السرور الذي أدخل في فلان))([7]).
3ـ وعن أبي عبد الله الصَّادِق (عليه السَّلَام) أنه قال: ((أوحى الله عز وجل إلى داود (عليه السَّلَام): إن العبد من عبادي ليأتين بالحسنة فأبيحه جنتي. فقال داود: يا رب وما تلك الحسنة؟
قال: يدخل على عبدي المؤمن سروراً ولو بتمرة.
قال داود: يا رب حق لمن عرفك أن لا يقطع رجاءه منك))([8]).
الهوامش:
([1]) لسان العرب لابن منظور: ج3، ص 319.
([2]) المصدر نفسه: ج3، ص 322.
([3]) القاموس المحيط للفيروز آبادي: ج1، ص 319.
([4]) سورة المائدة، الآية: 114.
([5]) تفسير الميزان للعالمة الطباطبائي: ج6، ص 228.
([6]) مستدرك الوسائل للنوري: ج9، ص 100، جامع أحاديث الشية للسيد البروجردي: ج15، ص 533، كتاب المؤمن للحسين بن سعيد: ص 69.
([7]) الكافي: ج2، ص 192، ثواب الأعمال للصدوق: ص150، الرسالة السعدية للعلامة الحلي (رحمه الله): ص 138. وسائل الشيعة: ج16، ص 351.
([8]) الأمالي للصدوق: ص70 ثواب الأعمال: ص 135. الكافي: ج2 ص 189، وسائل الشيعة: ج16، ص 351، مستدرك الوسائل: ج12، ص 397.