محمد حمزة الخفاجي
اَلْحَمْدُ للهِ اَلَّذِي إِلَيْهِ مَصَائِرُ اَلْخَلْقِ وَعَوَاقِبُ اَلْأَمْرِ نَحْمَدُهُ عَلَى عَظِيمِ إِحْسَانِهِ وَ نَيِّرِ بُرْهَانِهِ وَنَوَامِي فَضْلِهِ وَ اِمْتِنَانِهِ، وبعد
يرى الإمام أن الصيام الحقيقي هو صيام الجوارح يقول (عليه السلام): (صوم القلب خير من صيام اللسان، وصيام اللسان خير من صيام البطن)[1]، فمن صام قلبه وكف لسانه عن الغيبة والنميمة وكل ما ينسب الى اللغو، وأتم هذا الشهر بالعبادة والطاعة لله كان حقاً له أن يفرح ويُعيد كما يُعيد المؤمنون الصائمون الصابرون، قال أمير المؤمنين (عليه السّلام)، في بعض الأعياد: (إِنَّمَا هُوَ عِيدٌ لِمَنْ قَبِلَ اَللهُ صِيَامَهُ وَشَكَرَ قِيَامَهُ وَكُلُّ يَوْمٍ لاَ يُعْصَى اَللهُ فِيهِ فَهُوَ عِيدٌ)[2].
إذاً فالعيد لمن تقبل الله صيامه، ورضي بأعماله، وغفر ذنبه، هذا هو العيد الحقيقي و(ليس العيد لمن لبس الجديد، إنّما العيد لمن سلم من الوعيد، وليس العيد لمن ركب المطايا، إنّما العيد لمن ترك الخطايا، وليس العيد لمن حضر المصلّى، إنّما العيد لمن صام وصلّى)[3].
ومن أراد أن يكون في أعياد دائمة عليه أن لا يعصي الله في أمر، هذا هو مفهوم الإمام إذ يقول (عليه السلام): (وَكُلُّ يَوْمٍ لاَ يُعْصَى اَللهُ فِيهِ فَهُوَ عِيدٌ)، فمن أصبح وأمسى بلا ذنب كان ذلك اليوم عيداً له.
قال سويد بن غفلة: (دخلت عليه – يعني أمير المؤمنين ( عليه السلام ) - يوم عيد، فإذا عنده فاثور - أي خوان - عليه خبز السمراء - أي الحنطة - وصفحة فيها خطيفة وملبنة، فقلت: يا أمير المؤمنين يوم عيد وخطيفة ؟ ! فقال : إنما هذا عيد من غفر له)[4].
وإن يوم العيد يوم يثاب به بعض ويخسر به بعض فمن أراد الفوز فليبكر الى صلاة العيد وتهنئة الأحبة من المؤمنين والمؤمنات، وأن يترك الدنيا وما فيها من لهو ولعب، روى الصدوق (رحمه الله) بعض خطب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) يوم الفطر فقال: ((أيها الناس! إن يومكم هذا يوم يثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون، وهو أشبه بيوم قيامكم، فاذكروا بخروجكم من منازلكم إلى مصلاكم خروجكم من الأجداث إلى ربكم، واذكروا بوقوفكم في مصلاكم وقوفكم بين يدي ربكم، واذكروا برجوعكم إلى منازلكم رجوعكم إلى منازلكم في الجنة ! .
عباد الله! إن أدنى ما للصائمين والصائمات أن يناديهم ملك في آخر يوم من شهر رمضان: أبشروا عباد الله، فقد غفر لكم ما سلف من ذنوبكم فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون))[5].
فليس كل من صام وصلى قبل عمله وغفر ذنبه، إنما يغفر سبحانه للمخلصين العابدين الذين يرجون رضاه ويبتغون فضله، وقد بين الإمام (عليه السلام) فضل قبول الصيام فإن أدناه غفران جميع الذنوب فأي عطاء هذا، فنسأل الله قبول الأعمال وغفران الذنوب وكشف الكروب وستر العيوب بحق هذا الشهر المبارك.
الهوامش:
[1] - ميزان الحكمة: 2 / 1687
[2] - نهج البلاغة، الحكمة: 428.
[3] - بهج الصباغة: 14 / 261.
[4] - مناقب آل ابي طالب، ابن شهراشوب: 1 / 368.
[5] - الأمالي، الشيخ الصدوق: 160.