السيد: نبيل الحسني الكربلائي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير خلقه أجمعين وآله الطيبين الطاهرين...
لقد كان الإمام علي (عليه السَّلَام) يتبع نهج رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) في بيانه للحقائق الكونية التي ارتبطت بالثقل الأصغر لشريعة الله تعالى؛ وهم عترة النبي المصطفى (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم).
فقد كشف لأصحابه عن الخصوصية المكانية لهذه التربة الطاهرة (أرض كربلاء) وأظهر لهم ما ارتبط بها من مأساة كبيرة تحل بعترة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
فالمقتول بها ريحانة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وأبناؤه، وبناته، وبنو أخوته؛ فكم لآل أبي طالب (عليه السَّلَام) من دمٍ قد سفك على هذه الأرض؛ وكأنها قد خلقت لهم، وكأنهم خلقوا لها.
ولذا: اشتمل حديثه على هذين الجانبين:
ألف ـ أخرج الشيخ المفيد، عن جويرية بن مسهر العبدي، قال: لما توجهنا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام إلى صفين فبلغنا طفوف كربلاء، وقف عليه السلام ناحية من العسكر، ثم نظر يميناً وشمالاً واستعبر ثم قال:
«هذا ــ والله ــ مناخ ركابهم وموضع منيتهم، فقيل له يا أمير المؤمنين، ما هذا الموضع»؟.
قال:
هذا كربلاء، يقتل فيه قوم يدخلون الجنة بغير حساب([1]).
باء ــ ولم يكتف أمير المؤمنين عَلِيّ (عليه السَّلَام) بهذا البيان فقط، أي: عند رجوعه من معركة صفين ومروره بكربلاء، بل لطالما كان يحدث الناس على منبر الكوفة، ويعرفهم بيوم عاشوراء، وما يحل فيه من المصائب على آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم في أرض كربلاء.
فقد روي أنّه لما حضرت الحسن عليه السلام الوفاة، قال: لأخيه الحسين (عليه السَّلَام):
«ان جعدة ــ كان ــ أبوها قد خالف أمير المؤمنين، وقعد عنه الكوفة بعد الرجوع من صفين مغالياً منحرفاً لطاعته بعد أن خلفه بالكوفة من الإمامة، ولا يجتمع معه في جماعة ولا من شيعته، ولا يصلي عليهم منذ سمع أمير المؤمنين، على منبره، وهو يقول في خطبته: ويح الفرخ، فرخ آل محمد (صلَّى الله عليه وآله وسلّم) وريحانته وقرة عينه ابني الحُسَين من ابنك الذي من صلبك وهو مع ملك متمرّد جبَّار يملك بعد أبيه.
فقام إليه أبو بحر الأحنف بن قيس التميمي فقال له: يا أمير المؤمنين، ما اسمه؟.
قال:
نعم، يزيد بن معاوية ويؤمر على قتل الحُسَين (عليه السَّلَام)، عبيد الله بن زياد على الجيش السائر إلى ابني من الكوفة فتكون وقعتهم بنهر كربلاء غربي الفرات، فكأني انظر مناخ ركابهم، وحط رحالهم، وإحاطة جيوش أهل الكوفة بهم وإعمال سيوفهم ورماحهم وقسيهم في جسومهم ودمائهم ولحومهم، وسبي أولادي وذراري رسول الله (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، وحملهم على شرس الاقتاب، وقتل الشيوخ والكهول والشباب والأطفال.
فقام الأشعث بن قيس على قدميه وقال: ما ادعى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما تدعيه من العلم من أين لك هذا؟.
فقال له أمير المؤمنين (عليه السَّلَام):
ويلك يا عنق النار، ابنك محمد والله من قوادهم، أي والله؛ وشمر بن ذي الجوشن وشبث بن ربعي وعمرو بن الحجاج الزبيدي، وعمرو بن حريث.
فأسرع الأشعث إلى قطع الكلام، فقال: يا بن أبي طالب، أفهمني ما تقول؟.
فقال عليه السلام:
ويلك هو ما سمعت يا أشعث.
فقال: يا بن أبي طالب، ما يساوي كلامك عندي تمرتين!! وولى.
وقام الناس على أقدامهم ومدوا أعينهم إلى أمير المؤمنين ، ليأذن لهم في قتله.
فقال لهم:
مهلاً رحمكم الله، والله إني لأقدر على هلاكه منكم، ولابد أن تحق كلمة العذاب على الكافرين»([2]).
وللحادثة بقية تكشف عن سوء عاقبة الذين ظلموا آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ولقد أوردنا هذا المقدار كي يطلع القارئ الكريم على أن أهل البيت عليهم السلام كانوا يحدثون الناس بتفاصيل دقيقة تتعلق بقضية كربلاء وبيان خصوصيتها المكانية، وما ارتبط بها من أَثرِ غيبي ابتداءً من بيان أمير المؤمنين عليه السلام لأسماء أولئك الظالمين؛ وما اكتسبوا من جرائم في حق العترة النبوية، وانتهاءً بما ورد عن الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف لهذه الحقائق...
والحمد لله ربّ العالمين...
الهوامش:
([1]) الإرشاد للمفيد: ج 1، ص 332؛ نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 3، ص 170؛ كشف الغمة للآربلي؛ ج 1، ص 282؛ كشف اليقين للحلي: ص 80؛ ؛ المناقب لابن شهر: ج 2، ص 106؛ مدينة المعاجز للبحراني: ج 2، ص 39؛ كنز العمال للهندي: ج13، ص 655.
([2]) موسوعة كلمات الإمام الحسين ،: ص 200؛ مدينة المعاجز للبحراني: ج3، ص 196، حديث 826.