بقلم: السيد نبيل الحسني
الحمد لله رب العالمين الذي برحمته تمم الصالحات، والصلوات الزاكيات التامات الباقيات على حبيبه محمد وآله المطهرين واساس الدين وعماد اليقين...
أجمع المؤرخون على إخراج الرأس المقدس (عليه السلام) من كربلاء في يوم العاشر من شهر محرم الحرام، ولم يمهل عمر بن سعد بن أبي وقاص في بقاء رأس الإمام الحسين (عليه السلام) مع نساء النبوة والأطفال، وأخذهم سبايا إلى والي الكوفة عبيد الله بن زياد، وقد جاءت أقوالهم لتؤكد أن إخراج الرأس الشريف (عليه السلام) كان من ساعة استشهاد سيد شباب أهل الجنة.
1 ـ قال الدينوري (ت 282هـ) وابن العديم الحلبي (ت 660هـ)
(وبعث عمر بن سعد برأس الحسين (عليه السلام) من ساعته إلى عبيد الله بن زياد مع خولّي بن يزيد الأصبحي، وأقام عمر بن سعد بكربلاء بعد مقتل الحسين (عليه السلام) يومين، ثم أذن في الناس بالرحيل، وحملت الرؤوس على أطراف الرماح)([1]).
الرواية تدلّ بوضوح الى الإسراع في إخراج الرأس المقدس (عليه السلام) وذلك بدلالة لفظ: (من ساعته)؛ ومما يدل على ذلك أيضًا الرواية الأتية:
2ـ وقال البلاذري (ت 279هـ) والطبري (ت 310هـ)، وابن كثير (ت 774هـ)
(وبعث عمر برأس الحسين (عليه السلام) من يومه مع خولّي بن يزيد الأصبحي من حمير، وحميد بن مسلم الأزدي إلى ابن زياد، فأقبلا به ليلا فوجدا باب القصر مغلقاً)([2]).
ويكشف وصولهما إلى قصر الإمارة في الليل عن سرعة إخراج الرأس الشريف من كربلاء في يوم العاشر من المحرم.
أما العلة في سرعة إخراج رأس الإمام الحسين (عليه السلام) من كربلاء فتعود إلى بعض الأمور، منها:
1ـ إيصال خبر حسم المعركة عسكريا إلى والي الكوفة وقتل ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله).
2 ـ إشاعة الرعب في نفوس الموالين الذين تخفوا لكي لا يظفر بهم ابن زياد.
3ـ منع وصول المدد من أهل البصرة لا سيما وأن الإمام الحسين (عليه السلام) بعث إليهم كتاباً.
4ـ قطع الطريق على بعض القيادات العشائرية في محاولتها للإنتفاع من خروج الإمام الحسين (عليه السلام) لا سيما وأنَّ الكوفة متغيرة في أحوالها.
5 ـ الوصول إلى بيت قائد الجيش لغرض طمأنتهم على سلامة عمر بن سعد وهو ما أورده أبو مخنف عن سلميان بن أبي راشد عن حميد بن مسلم قال: (دعاني عمر بن سعد فسرحني إلى أهله لأبشرهم بفتح الله عليه وبعافيته فأقبلت حتى أتيت أهله فأعلمتهم بذلك)([3]).
6 ـ للحصول سريعًا على ما تمّ الإتفاق عليه فيما بينهما، أي الحصول على ملك الري.
7ـ نيل المنزلة عند ابن زياد وذلك بما نقله مسروق بن وائل، فيقول:
(كنت في أوائل الخيل ممن سار إلى الحسين (عليه السلام) فقلت: أكون في أوائلها لعلي أصيب رأس الحسين فأصيب به منزلة عند عبيد الله بن زياد)([4]).
وعليه:
لم يسجل لنا التاريخ ظهور آيات للرأس المقدس في كربلاء، ولعل السبب في ذلك يعود إلى سرعة إخراج الرأس (عليه السلام) من كربلاء من ساعة وقوع الفاجعة كما دّل عليه لفظ: ((من ساعته)) ووصوله إلى الكوفة ليلاً، مما يرشد إلى أنّ الأمر وقع عصر يوم عاشوراء أو قبل الغروب؛ ليستغرق إيصال رأس الإمام الحسين (عليه السلام) بيد خولّي بن يزيد (لعنه الله) ويرافقه حميد بن مسلم بضع ساعات، وذلك أنَّ المسافة التي يقطعها الحصان في سرعته القصوى هي سبعين كيلو متراً في الساعة، وفي حالاتٍ نادرة قد تصل السرعة إلى ستة وسبعين كيلو متراً في الساعة([5]).
وهذا يعني أن الوقت المستغرق بين كربلاء والكوفة ربّما كان ساعتان وهذا يدّل على أن إخراج الرأس الشريف كان قبل الغروب، وأن سبب إغلاق أبواب قصر الأمارة عند وصول خولّي بن يزيد كما تنص الرواية التاريخية لا يعود إلى التأخير في الوصول أو طول المسافة، وإنماّ إلى الوضع الأمني في الكوفة الذي يستلزم هذه الإجراءات في إغلاق أبواب قصر الأمارة بعد المغرب.
الهوامش:
([1]) الأخبار الطوال للدينوري: ص 259؛ بغية الطلب في تاريخ حلب: 660 ص 263.
([2]) أنساب الاشراف: ج3 ص 206 تاريخ الطبري: ج4 ص 348؛ البداية والنهاية لابن كثير: ج 8 ص 206؛ اللهوف للسيد ابن طاووس: ص 84؛ جواهر المطالب للباعوني الدمشقي: ج 2 ص 290؛ نهاية الارب للنويري: ج 20 ص 463 الكامل في التاريخ لابن الاثير: ج 4 ص 80؛ الارشاد للمفيد: ج 2 ص 113.
([3]) مقتل الحسين (عليه السلام) لابي مخنف: ص 204؛ تاريخ الطبري: ج 4 ص 349.
([4]) مقتل أبو مخنف: ص 126؛ تاريخ الطبري: ج 4 ص 328.
([5]) وهي السرعة التي حققها الحصان المسمى بـ (Winning Brew) على يد المدرب الامريكي (فرانسيس فيتالي) ي سباق مدينة بنسليفنا في 14/ مايو/ 2008.