بقلم : السيد نبيل الحسني.
إنّ من السُنّن التي يعرضها القرآن الكريم في نهج الأنبياء (عليهم السلام) هو الدفاع عن صدق دعوتهم، وبيان ذلك إلى الناس، بأنهم صادقون في دعواهم ، فكان ذلك عبر إشراك عيالهم بالدفاع عن النبوة ، فهو أمض في إلقاء الحجة على من لم يؤمن بهم، فضلاً عن المكذبين لهم؛ وهذا ما قام به رسول الله (صلى الله عليه وآله ) في حادثة المباهلة حينما كذّبه النصارى في دعواه بالنبوة ، فخاطبه الله عزّ وجل:
{الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } ([1]).
وقد نّصت كثير من مصادر الحديث والتفسير والتاريخ التي تناولت حدث المباهلة وسبب نزول قوله تعالى : { فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} [ال عمران:61] على أن الأثر الذي تركه إخراج النبي (صلى الله عليه وآله) لأهل بيته (عليهم السلام) ممثلاً ذلك ببضعته النبوية فاطمة (عليها السلام) في {نسائنا} ، والإمامين الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما في سن السابعة والسادسة[2] ، ممثلا في {أبنائنا} ، والإمام علي (عليه السلام) ممثلا في {أنفسنا} ليباهل بهم النصارى ليس له نظير في التأثير على صدق الدعوة التي جاء بها النبي (صلى الله عليه وآله) بنحو عام ، وعلى نصارى نجران بنحو خاص في تصديقهم بدعواه للنبوة وأنه خاتم الأنبياء ، وأن هذا الأثر كان أبلغ في التصدّيق به من المعجزة ، ولذا فقد أختار الله له المباهلة ولم يختار له المعجزة .
إذ قد يُفسر هؤلاء المعترضون والمشككون فيما لو جاءهم (صلى الله عليه وآله ) بمعجزة من المعاجز بأنها ضرب من السحر ، كما حصل ذلك لموسى الكليم (عليه السلام) حينما سجد له السحرة ، فقال لهم فرعون عند ذلك:
{ قَالَ آَمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آَذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ} ([3]).
ولذلك لم يأتهم النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله ) بمعجزة ، ولو شاء لأمدّه الله تعالى بما لا طاقة لهم به، إلّا أنّه وجد أنّ إخراج ابنته فاطمة وزوجها علي بن أبي طالب وولديه الحسن والحسين (عليهم السلام) ، هو أمض أثراً ، وأشد تصديقاً بدعوته ورسالته.
فضلاً عن إشراكهم ، أي أهل بيته (عليهم السلام) في الدفاع عن رسالته ونبوته، وذلك بقوله (صلى الله عليه وآله ) لهم:
«إنْ أنا دعوت فأمنوا»[4].
فكان ذلك بمسمع ومرأى من النصارى والصحابة الذين وقفوا ينظرون هذا الخروج المهيب، فما كان من النصارى ورهبانهم وقادتهم إلا أن قالوا: (أنظروا محمدا في غد ، فإنْ غدا بولده وأهله فاحذّروا مباهلته ، وإنْ غدا بأصحابه فباهلوه ، فإنّه على غير شيء )[5].
وفي لفظ أخر رواه الموفق الخوارزمي (ت568هـ) : (أنظروا أنْ خرج في عدّة من أصحابه فباهلوه فإنّه كذّاب ، وإنْ خرج في خاصة من أهله ، فلا تباهلوه فإنّه نبيّ ، ولئن باهلنا لنهلكن)([6])، وذلك أنّ الإنسان لا يعرض أبناءه ونساءه ونفسه للهلاك ما لم يكن يوقن بأنّه وأبناءه ونساءه هم لله رب العالمين.
وعليه: فإنَّ إخراج الإمام الحسين لعياله من أخواته وبناته وأبنائه(سلام الله عليهم أجمعين) حتى الرضيع منهم وإشراكهم في أمره كان اتباعاً لسُنّة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله) وإلتزاماً بالمنهج القرآني في الدعوة إلى التصدّيق بما خصه الله تعالى به، وهي الإمامة، وأنّه حجّة الله على خلقه، فكان الأثر الذي أوجده خروج النساء والأطفال في التصدّيق به هو عينه الأثر الذي كان في خروج النبي (صلى الله عليه وآله) بإبنته فاطمة وولديها وزوجها (عليهم السلام) للمباهلة.
فأنعكس ذلك على أصحابه وبني عمومته وأعدائه في يوم عاشوراء وأنعكس ذلك على المسلمين وغيرهم بعد استشهاده ، لتتهاوى بما سَنّهُ من التضحية والدعوة إلى التصدّيق به العروش ، وترقى به النفوس ، وتحنو إليه القلوب بأنه صادق ومصدّق لما أتى به جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله ) ، وقائد للصادقين والمصدّقين برسول ربّ العالمين في النص على إمامته، وكيف لا يكون كذلك والله تعالى قد دعا المؤمنين من أمة جده إلى أن يكونوا معه ، ولا يكونوا معه حتى يتقوا الله ، : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة :119] [7].
الهوامش:
([1]) سورة آل عمران، الآية: 60.
وذلك أن المباهل وقعة في السنة العاشرة من الهجرة النبوية ، ينظر : الكامل في التاريخ ، ابن الاثير : ج2 ص294 [2]
([3]) سورة طه، الآية: 71.
دلائل النبوة ، لابي نعيم الأصبهاني (ت430هـ) : ج1 ص 354 ؛ تفسير القرطبي (ت 671هـ) : ج4 / ص104؛ الدر المنثور ، السيوطي (ت911هـ) : ج2 / ص39 [4]
الإرشاد ، الشيخ المفيد : ج1 / ص168 ؛ كشف اليقين ، العلامة الحلي : ص214 [5]
([6]) المناقب : ص159 ؛ بحار الأنوار للعلامة المجلسي: ج21، ص278.
[7] لمزيد من الاطلاع ، ينظر : سباي آل محمد صلى الله عليه وآله ، تأليف السيد نبيل الحسني : ص 161 – 163 ؛ إصدار العتبة الحسينية المقدسة ، ط1 مؤسسة الأعلمي لسنة 1433هـ - 2012 بتصرف وبعض الإضافة .