من أصول الأمن الفكري في نهج البلاغة: الأصل الخامس: الطمع في السلطة سنام الحركات التكفيرية

مقالات وبحوث

من أصول الأمن الفكري في نهج البلاغة: الأصل الخامس: الطمع في السلطة سنام الحركات التكفيرية

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 15-12-2020

بقلم: السيد نبيل الحسني الكربلائي

«الحمد لله الذي علا بحوله، ودنا بطوله، مانح كل غنيمة وفضل، وكاشف كل عظيمة وأزل»([1]).
اللهم «أجعل شرائف صلواتك، ونوامي بركاتك، على محمد عبدك ورسولك، الخاتم لما سبق، والفاتح لما انغلق، والمُعلن الحق بالحق، والدافع جيشات الأباطيل، والدامغ صولات الأضاليل»([2]) وعلى أهل بيته «أساس الدين وعماد اليقين»([3])
وبعد:
فإن الكتاب الذي أخرجه الإمام علي عليه السلام إلى شيعته والمسلمين عامة بعد أن سُئل عن رأيه في أبي بكر وعمر بعد حرب صفين قد احتوى على أصول الأمن الفكري، وهي على النحو الآتي:
الأصل الخامس: الطمع في السلطة سنام الحركات التكفيرية:
قال عليه السلام:
«فبايعني فيمن بايعني طلحة والزبير ولو أبيا ما أكرهتهما كما لم أكره غيرهما، فما لبثنا إلا يسيراً حتى بلغني أن خرجا من مكة متوجهين إلى البصرة في جيش ما منهم رجل إلا بايعني واعطاني الطاعة، فقدما على عاملي وخزان بيت مالي وعلى أهل مصر كلهم على بيعتي وفي طاعتي فشتتوا كلمتهم وأفسدوا جماعتهم، ثم وثبوا على شيعتي من المسلمين فقتلوا طائفة منهم غدراً وطائفة صبراً، وطائفة عصبوا بأسيافهم فضاربوا بها حتى لقوا الله صادقين، فوالله لو لم يصيبوا منهم إلا رجلاً واحداً متعمدين لقتله بلا جرم جره لحل لي به قلت ذلك الجيش كله فدع ما أنهم قد قتلوا من المسلمين أكثر من العدة التي دخلوا بها عليهم وقد أدال الله عنهم فبعدا للقوم الظالمين»
تمتاز المرحلة التي برز فيها طلحة والزبير كقائدين لحراك انفصالي منسلخ عن جماعة الأمة والتي تزامنت مع بيعة المسلمين للإمام أمير المؤمنين عليه السلام بأنها من أكثر المراحل انتهاكاً للأمن الفكري والمجتمعي ما زال المسلمون يدفعون جانباً من أبنائهم وأمنهم لها، وذلك أنها كانت المؤسس لحراك معاوية وتقوية سلطانه وانتشار منهجه الذي برز في الإسلام اليوم كمنهج أساس لأهل السنة والجماعة لا سيما وأن هذا المصطلح قد ولد من رحم الإيديولوجية السفيانية الأموية.

ولذا:
نجد الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يتحدث عن دور هذه المرحلة في انعدام الأمن الفكري والمجتمعي ليقدم في بيانه لهذه المرحلة أحد الأصول التي ينبغي مواجهتها بكل قوة وحزم، والتي ترتكز على مجموعة نقاط:
1-  اطلاع المسلمين على حقيقة هذا الخروج والانشقاق والنكث لبيعة إمام الأمة وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، وهذا أمر في غاية الأهمية.
2-  إن عامة المسلمين ينظرون إلى هذين الرجلين بأنهما من خاصة الصحابة بلحاظ التقوائية وإدخالهما ضمن حديث العشرة المبشرة بالجنة مما شكّل عائقاً كبيراً وجداراً صلباً أمام المسلم لمعرفة زيف هذه الشأنية وانعدام التقوائية.
3-  دفع الشبهة العالقة في أذهان المسلمين المرتكزة على قاعدة عدالة الصحابة والتي أسست للتستر على الانتهاكات والفوادح التي ظهرت من عدد من الصحابة.
4-  إن طلحة والزبير استطاعا بهذا الخروج من تشتيت كلمة المسلمين وإفساد كلمتهم بعد أن كانوا على امر واحدٍ وهو طاعة إمام زمانهم الإمام علي عليه السلام بعد أن بايعوه على الطاعة.
5-  اعتماد منهج التكفير واستحلال دم المسلم ونهب ماله فكان الأساس الذي تنطلق منه اليوم الحركات التكفيرية في قتل المسلمين ونهب أموالهم.
6-  في مقابل هذا المنهج والعمل الذي قام به طلحة والزبير يقدم الإمام علي عليه السلام منهجاً مضاداً لهذا الفكر الهدام والتكفيري، فقال:
«فوالله لو لم يصيبوا منهم إلا رجالً واحداً متعمدين قتله بلا جرم جره لحل لي به قتل ذلك الجيش كله فدع ما إنهم قد قتلوا من المسلمين أكثر من العدة التي دخلوا بها عليهم وقد أدال الله منهم فبعداً للقوم الظالمين».
بمعنى: يجب مواجهة الفكر التكفيري الذي احل قتل المسلم ونهب ماله بكل الوسائل الممكنة؛ لما لهذا الفكر من ضرر كبير على الأمة وأمنها، وذلك أنهم لن يدعوا بشراً أو حجراً حتى يصلوا إلى السلطة، فهذه الأطماع السلطوية أساس انعدام الأمن في كل أمة من الأمم وعلى مر الزمان والمكان([4]).

الهوامش:
([1]) نهج البلاغة بتحقيق الشيخ قيس العطار: ص179: طبعة العتبة العلوية.
([2]) المصدر السابق: ص170.
([3]) المصدر السابق: ص432.
([4]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الأمن الفكري في نهج البلاغة، للسيد نبيل الحسني: ط: العتبة الحسينية المقدسة مؤسسة علوم نهج البلاغة. ص223-226.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2747 Seconds