من الفكر الإداري عند الإمام علي (عليه السلام)/ حقوق الوالي والحاكم

مقالات وبحوث

من الفكر الإداري عند الإمام علي (عليه السلام)/ حقوق الوالي والحاكم

5K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 10-02-2021

بقلم: م. م. هدى ياسر سعدون

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين.
بعد أن بين لنا الإمامg فكرًا واسعًا وشاملًا لواجبات الوالي فإن للوالي حقوقًا وهذه الحقوق تكون متقابلة، وإذا قام الوالي بتنفيذها فإن الأمور تستقيم وينشر العدل فقال في عهده الشريف لمالك الأشتر عليه الرحمة والرضوان يؤصل عليه السلام لمنهاج الحكوم ورأس السلطة فيها آلية تتبع فيقول:

«ثُمَّ جَعَلَ–سُبْحَانَهُ–مِنْ حُقُوقِهِ حُقُوقاً افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ فَجَعَلَهَا تَتَكَافَأُ فِي وُجُوهِهَا وَيُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً وَلَا يُسْتَوْجَبُ بَعْضُهَا إِلَّا بِبَعْضٍ وَأَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ سُبْحَانَهُ مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِي عَلَى الرَّعِيَّةِ وَحَقُّ الرَّعِيَّةِ عَلَى الْوَالِي فَرِيضَةٌ فَرَضَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ لِكُلٍّ عَلَى كُلٍّ فَجَعَلَهَا نِظَاماً لِأُلْفَتِهِمْ وَعِزّاً لِدِينِهِمْ وَقُوامًا لسُّنَن الحَقْ فِيهِمْ»[1].
ويتضح لنا من خلال كلام الإمامg أن هذه الحقوق المتبادلة من حقوق الله لأنها مرتبطة بنظام الأمة وتلك الحقوق إذا سادت الحكم قوّي المجتمع كما يؤكد ذلك الإمامg:
«فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِصَلاَحِ الْوُلاَةِ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ إِلاَّ بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ. فَإِذا أَدَّتِ الرَّعِيَّةُ إِلَى الْوَالِي حَقَّهُ، وَأَدَّى الْوَالِي إِلَيْهَا حَقَّهَا، عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ، وَقَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ، وَاعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ، وَجَرَتْ عَلَى أَذْلاَلِهَا السُّنَنُ، فَصَلَحَ بِذلِكَ الزَّمَانُ، وَطُمِعَ فِي بَقَاءِ الدَّوْلَةِ، وَيَئِسَتْ مَطَامِعُ الاْعْدَاءِ»[2].
ولما كانت طبيعة المجتمعات تنقسم الى طبقات وهي كالمعتاد مفادته في المعيشة فمنهم الأغنياء ومنهم الفقراء فعلى الوالي أن يكون حذرًا في التعامل مع هذه الفئات:
«وَاعْلَمْ أَنَّ الرَّعِيَّةَ طَبَقَاتٌ لاَ يَصْلُحُ بَعْضُهَا إلاَّ بِبَعْض، وَلاَ غِنَى بِبَعْضِهَا عَنْ بَعْض: فَمِنْهَا جُنُودُ الله ومِنْهَا كُتَّابُ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ، وَمِنْهَا قُضَاةُ الْعَدْلِ، وَمِنهَا عُمَّالُ الاِْنْصَافِ وَالرِّفْقِ...»[3].
لذلك عدم احتجاب الوالي وإن لم يكن له أن يقضي حاجاتهم لا بأس أن يطرح ذلك إمامهم وأن لا يتردد في ذلك:
«وَإِنَّمَا الْوَالِي بَشَرٌ لاَ يَعْرِفُ مَا تَوَارَى عَنْهُ»[4].
واعلم أنه ليس شيء أدعى الى حسن ظن والٍ برعيته من إحسانه إليهم وتخفيفه المؤونات عليهم، وترك استكراهه إياهم على ما ليس له قبلهم منك ذلك أمر يجتمع لك به حسن الظن برعيتك، فإن حسن الظن يقطع عنك نصبًا طويلًا، وإن أحق من حسن ظنك به لمن حسن بلاؤك عنده، وإن أحق من ساء ظنك به لمن ساء بلاؤك عنده[5]. وفي موضع آخر:
«وَإِذَا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ وَالِيَهَا، أَوْ أَجْحَفَ الْوَالِي بِرَعِيَّتِهِ، اخْتَلَفَتْ هُنَالِكَ الْكَلِمَةُ، وَظَهَرَتْ مَعَالِمُ الجَوْرِ، وَكَثُرَ الاْدْغَالُ فِي الدِّينِ، وَتُرِكَتْ مَحَاجُّ السُّنَنِ، فَعُمِلَ بِالْهَوَى، وَعُطِّلَتِ الاْحْكَامُ، وَكَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ، فَلاَ يُسْتَوْحَشُ لِعَظِيمِ حَقٍّ عُطِّلَ، وَلاَ لِعَظِيمِ بَاطِل فُعِلَ»[6].
وبذلك يقول ابن أبي الحديد: «أيدي الرعية تبع ألسنتها، فلن يملك الملك ألسنتها حتى يملك جسومها ولن يملك جسومها حتى يملك قلوبها فتحبه، ولن تحبه حتى  يعدل عليها في أحكامه عدلا يتساوى فيه الخاصة والعامة، وحتى يخفف عنها المؤن والكلف...»[7].([8]).

الهوامش:
[1] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، خطبة (53)، 11/68.
[2] ابن أبي الحديد، خطبة (53)، 11/68.
[3] المصدر نفسه، رسالة (53)، 71/37.
[4] المصدر نفسه، رسالة (53)، 71/65.
[5] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، رسالة (53)، 71/36.
[6] المصدر نفسه، رسالة (53)، 71/36.
[7] المصدر نفسه، 1/71.
([8]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الفكر الإداري عند الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة، هدى ياسر سعدون، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة، العتبة الحسينية المقدسة: ص214-216.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3575 Seconds