من الفكر الإداري عند الإمام علي (عليه السلام): مراقبة الولاة وعقوبة الخائن منهم

مقالات وبحوث

من الفكر الإداري عند الإمام علي (عليه السلام): مراقبة الولاة وعقوبة الخائن منهم

5K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 23-05-2021

بقلم: م. م. هدى ياسر سعدون

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
فقد تضافرت النصوص الشريفة عنه (عليه السلام) في مراقبة الولاة وعقوبة من كان خائن منهم:
«فَإِنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بَسَطَ يَدَهُ إِلَى خِيَانَة اجْتَمَعَتْ بِهَا عَلَيْهِ عِنْدَكَ أَخْبَارُ عُيُونِكَ، اكْتَفَيْتَ بِذلِكَ شَاهِداً، فَبَسَطْتَ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ، وَأَخَذْتَهُ بِمَا أَصَابَ مِنْ عَمَلِهِ، ثُمَّ نَصَبْتَهُ بِمَقَامِ الْمَذَلَّةِ، وَوَسَمْتَهُ بِالْخِيانَةِ، وَقَلَّدْتَهُ عَارَ التُّهَمَةِ»[1].
وفي موضع آخر لبعض عماله:
«فَلَمَّا أَمْكَنَتْكَ الشِّدَّةُ فِي خِيَانَةِ الاُْمَّةِ، أَسْرَعْتَ الْكَرَّةَ، وَعَاجَلْتَ الْوَثْبَةَ، وَاخْتَطَفْتَ مَا قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِهِمُ الْمَصُونَةِ لاَِرَامِلِهِمْ وَأَيْتَامِهِمُ، اخْتِطَافَ الذِّئْبِ الاَْزَلِّ...»[2].
فضلًا عن ذلك فإن الإمام (عليه السلام) يلفت نظر الوالي الى مسألة نعيشها في الوقت الحاضر، ألا وهي في غاية الأهمية – الرشوة [3] – التي يأخذها الولاة لقاء تقديم خدمة ما للرعية وذلك بقوله:
«وَأَعْجَبُ مِنْ ذلِكَ طَارِقٌ طَرَقَنَا بِمَلْفَوفَةفِي وِعَائِهَا، وَمَعْجُونَة شَنِئْتُهَا، كَأَنَّمَا عُجِنَتْ بِريقِ حَيَّة أَوْ قَيْئِهَا، فَقُلْتُ: أَصِلَةٌ، أَمْ زَكَاةٌ، أَمْ صَدَقَةٌ؟ فَذلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ! فَقَالَ: لاَ ذَا وَلاَ ذَاكَ، وَلكِنَّهَا هَدِيَّةٌ، فَقُلْتُ: هَبِلَتْكَ الْهَبُولُ أَعَنْ دِينِ اللهِ أَتَيْتَنِي لِتَخْدَعَنِي؟ أَمُخْتَبِطٌ أَنْتَ أَمْ ذُوجِنَّة، أَمْ تَهْجُرُ؟ وَاللهِ لَوْ أُعْطِيتُ الاَْقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاَكِهَا، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللهَ فِي نَمْلَة أَسْلُبُهَا جِلْبَ شَعِيرَة مَا فَعَلْتُهُ»[4].
وقوله لأحد ولاته:
«... فَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ رَجُلاً مِنْ فِتْيَةِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ دَعَاكَ إلى مَأْدُبَة، فَأَسْرَعْتَ إِلَيْهَا، تُسْتَطَابُ لَكَ الاَْلْوَانُ، وَتُنْقَلُ إِلَيْكَ...»[5].
فإن الإمام (عليه السلام) يمارس الرقابة ويهدد بالعزل والعقوبة ويذكره بأن حساب الله أعظم من حساب الناس:
«أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ بَلَغَنِي عَنْكَ أَمْرٌ، إِنْ كُنْتَ فَعَلْتَهُ فَقَدْ أَسْخَطْتَ رَبَّكَ، وَعَصَيْتَ إِمَامَكَ، وَأَخْزَيْتَ أَمَانَتَكَ. بَلَغَنِي أَنَّكَ جَرَّدْتَ الاَْرْضَ فأَخَذْتَ مَا تَحْتَ قَدَمَيْكَ، وَأَكَلْتَ مَا تَحْتَ يَدَيْكَ، فَارْفَعْ إِلَيَّ حِسَابَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ حِسَابَ اللهِ أَعْظَمُ مِنْ حِسَابِ النَّاسِ، وَالسَّلاَمُ»[6].
فيما يذكر الإمام (عليه السلام) العزل (عزل الولاة) وما له من أهمية كبيرة لكونهم لا يصلحون لهذه المناصب فيجب على الوالي العادل أن يعزلهم. فقد ذكر ابن عبد البر: «كان علي [عليه السلام]... لا يخص بالولايات إلا أهل الديانات والأمانات، وإذا بلغه عن أحدهم خيانة كتب إليه:
﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّةُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ﴾[7].
إذا أتاك كتابي هذا فاحتفظ بما في يديك من أعمالنا حتى نبعث إليك من يتسلمه منك، ثم يرفع طرفه الى السماء فيقول: اللهم إنك تعلم أني لم آمرهم بظلم خلقك، ولا بترك حقك. [ثم يقول] وخطبه ومواعظه ووصاياه لعماله إذا كان يخرجهم الى اعماله كثيرة، مشهورة لم أرَ التعرض لذكرها، لئلا يطول الكتاب وهي حسان كلها[8].وقد نقل عن سودة بنت عمارة الهمدانية[9]: أنها دخلت على معاوية بعد موت علي (عليه السلام) فجعل معاوية يؤنبها على تحريضها عليه في أيام قتال صفين ثم إنه قال لها: ما حاجتك؟ فقالت: إن الله تعالى مسائلك عن أمرنا وما فوض إليك من أمرنا ولا يزال يقدم علينا من قبلك من يسمو بمقامك ويبطش بسلطانك... وهذا بسر ابن أرطاة[10] قد قدم علينا فقتل رجالنا، وأخذ أموالنا ولولا الطاعة لكان فينا عز ورفعة فإن عزلته عنا شكرناك، وإلا فإلى الله شكوناك فقال معاوية: إياي تعنين ولي تهددين! لقد هممت يا سودة أن أحملك على قتب أشوس فأردك إليه، فينفذ حكمه فيك، فأطرقت ثم أنشأت تقول:

قبر فأصبح فيه العدل مدفونا
صلى الإله على جسم تضمنه
وصار بالحق والإيمان مقرونا
قد حالف الحق لا يبغي به بدلًا

فقال معاوية: من هذا يا سودة؟ قالت: هذا والله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) لقد جئته في رجل كان قد ولاه صدقاتنا فجار علينا فصادفته قائمًا يريد الصلاة، فلما رآني انفتل ثم أقبل عليّ بوجه طلق، ورحمة ورفق وقال: لكِ حاجة؟ قُلت: نعم، وأخبرته بالأمر فبكى، ثم قال: اللهم أنت شاهد أني لم آمرهم بظلم خلقك ولا بترك حقك، ثم أخرج من جيبه قطعة جلد وكتب فيها: بسم الله الرحمن الرحيم:
﴿قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[11].
وإذا قرأت كتابي فاحتفظ بما في يدك من عملك حتى يقدم عليك من يقبضه والسلام. ثم دفع إلي الرقعة فجئت بالرقعة الى صاحبه فانصرف عنا معزولًا. فقال: أكتبوا لها بما تريد، وخذوها الى بلدها غير شاكية [12].([13]).

الهوامش:
[1] المصدر نفسه، كتاب (46)، 17/22.
[2] المصدر نفسه، كتاب (41)، 16/346.
[3] «إذ قال الإمام أيّما والٍ احتجب عن حوائج الناس، احتجب الله يوم القيامة عن حوائجه وأن أخذ هدية كان غلولًا، وإن أخذ رشوة فهو مشرك»، الصدوق، ثواب الاعمال وعقاب الاعمال، منشورات الرضي، ط2، (قم-1968)، ص365.
[4] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، كلام (219)، 11/175.
[5] المصدر نفسه، كتاب (45)، 16/373.
[6] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، كتاب (40)، 16/343.
[7] سورة هود، (الآيتان–85، 86).
[8] الاستيعاب، 3/302.
[9] سودة بنت عمارة بن الأسك الهمدانية، أبن طيفور، أبو الفضل بن أبي طاهر (ت380هـ/988م): بلاغات النساء، منشورات بصيرتي، (قم – د.ت)، ص31.
[10] بسر بن أرطاة: قال ابن ابي الحديد، وقيل ابن ابي ارطاة بن عويمر بن عمران بن جليس بن سيار، يًنظر شرح نهج البلاغة، 1/287، فيما قال الراوندي: «إن الامام [عليه السلام] لما بلغه ما صنع بسر بن ارطاة باليمن قال: «اللهم انّ بسرًا باع دينه بالدنيا، فاسلبه عقله»، فبقي بسر حتى اختلّ عقله، فاتخذ له سيفًا من خشب يلعب به حتى مات، يُنظر: معجزات علي الكرار [عليه السلام]، تح: عبد الستار الحاج، (بغداد-2003)، ص21.
[11] سورة الاعراف (آية 85).
[12] ابن الصباغ، الفصول المهمة، ص127؛ ابن عبد ربه، العقد الفريد، 1/335؛ عاشور، محمد، آهات علي ومعاناته، مؤسسة التاريخ العربي، (بيروت – د.ت)، ص293.
([13]) لمزيد من الاطلاع ينظر: الفكر الإداري عند الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة، هدى ياسر سعدون، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة، العتبة الحسينية المقدسة: ص 226-230.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2633 Seconds