بقلم: الدكتور سحر ناجي المشهدي
الحمد لله الأول بل الإنشاء، والآخر بعد فناء الأشياء، أحمده استتمامًا لنعمته، واستعصاماً من معصيته، وأفضل الصلاة وأتم التسليم على من اصطفى من الخلق أجمعين سيدنا ونبينا محمد وآل الطاهرين..
وبعد:
الكـَـيْـلُ:
وردت هذه الصيغة مرتين في كلام الإمام (عليه السلام)[1]، ولم تأتِ للدَّلالة على المعنى الحقيقي؛ بل المجازي، قصّد به الإمام (عليه السلام) الذَّم. ويبدو في تعريف الكَـيْـل أنَّه يدلُّ على عملية الاكتيال المأخوذة بشيءٍ معين قد يكون مِكْيالا أو ما يشبهه.
اللفظ |
مرات وروده |
وزنه |
تَكِيلُكُم |
مرة |
تَفْعَلُكم |
كَيْلاً |
مرة |
فَعْلَاً |
استعمل الإمام (عليه السلام) مفردة (الكيل) للدلالة على الذم سواء عند أهل العراق أو عند بني امية، أي أنَّه لم يرد عملية الاكتيال المعروفة، أو الإناء الذي يُحْمَل فيه الطَّعام ؛ لذا قلَّ استعماله لهذه المفردة وذلك واضح في موضعين فقط، إذ جاء الفعل المضارع متصلاً بجماعة الغائبين في قوله (عليه السلام) وذلك في حديثه عن فتنة بني أمية قائلا: » رَايَةُ ضَلاَلة قَدْ قَامَتْ عَلَى قُطْبِهَا، وَتَفرَّقَتْ بِشُعَبِهَا، تَكِيلُكُمْ بِصَاعِهَا، وَتَخْبِطُكُمْ بِبَاعِهَا»[2].
فـ(تكيلُ) بصيغة المضارع جرياً على الأصل ؛ لكون المُخْبِر به من الأمور المستقبلية، وهو استعارة بالكناية، ومراده أنَّها تأخذكم للإهلاك زمرةً زمرة، كالكَّيال يأخذ ما يكيلُ جملةً جملةً، أو يقهركم أربابها على الدخول في أمرهم، ويتلاعبون بكم ككَّيالُ البُّر به إذا كاله بصَّاعِه، أو تكيلُ لكم بصاعِها على حذف اللام[3]. وجملة (تخبطكم بباعها) معطوفة على جملة (تكيلكم بصاعها).
وجاء المصدر (كـَيـْـلاً) في خطبة له في ذم أهل العراق والتعجب من حالهم قائلاً: « كَلاَّ وَاللهِ، ولكِنَّهَا لَهْجَةٌ غِبْتُمْ عَنْهَا، وَلَمْ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا، وَيْلُمِّهِ، كَيْلاً بِغَيْرِ ثَمَن ! لَوْ كَانَ لَهُ وِعَاءٌ، وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِين» [4].
تعجب بالصيغة غير القياسية، وكَيْلا: يعني مَكَيلا ؛ وأنتصب على كونه تمييزاً. إذ أقسم أمير المؤمنين أنَّه لم يأتِ إليهم اختيارا، لكنَّ المقادير ساقته إليهم سَوْقا، واضطرارا. وصدق الإمام (عليه السلام) ؛ لأنَّه لولا يوم الجمل لم يحتج إلى الخروج من المدينة إلى العراق، وإنَّما استنجد بأهل الكوفة على أهل البصرة اضطرارا إليَّهم؛ لأنَّه لم يكن جيشه الحجازي[5]، فالضمير في (أمِّه) يرجع فيه إلى المكذب له فيكون تعجباً من: قوة جهلهم ؛ استعدادا لمقاتلتهم، أو ادِّعاءً عليهم: أي عذّبه الله، وقاتله، أو إنه راجع الى نفس العلم، فيكون وارداً مقام الاستجادة، والاستعظام، فإنِّي أكيلُ العلم لهم كَيلا بلا ثمنٍ لو وجدتُ حَامِلا له[6]. والويل للتعجب، وقيل: ويل مفردة، ولأمه مفردة كلمة توجع وتفجع، فحذفت الهمزة من (أمه) وألقيت حركتها على اللام فقيل (ويلْـمه) ونصب ما بعدها على التمييز.
و المِكْيال: ما يُكَال به واكتلت من فلان، واكتلت عليه[7].
والكيلُ في الأصلِ مصدرٌ يُشرَبُ فيه معنى المِكْيال أيضا مُباَلغَة، ومصدر كال الطعام كًـيـْـلا وتِكاَلا ومـَـكيلا، واكتاله بمعنى. والاسم الكــِيلة[8].
قال تعالى: ﴿وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ ۞ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ ۞وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ﴾[9]، فيحثُّ فيه على تحري العدل في كلِّ ما وقع فيه من أخذٍ وعطاءٍ. وقال تعالى: ﴿وَلَمَّا فَتَحُواْ مَتَاعَهُمْ وَجَدُواْ بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ﴾[10]، مقدار حمل بعير، والكَيل أيضا: الظرف الذي يُكتال به، وبمعناه المكيال والمـِكيل والمكيلة[11] .[12].
الهوامش:
[1] ظ: المعجم المفهرس لألفاظ نهج البلاغة: 1391.
[2] نهج البلاغة: خ 108، 110.
[3] ظ: منهاج البراعة: 7 / 244 وظ: الديباج الوضي: 2 / 860.
[4] نهج البلاغة: خ 71، 59.
[5] ظ: الديباج الوضي: 2 / 533 وظ: شرح نهج البلاغة: ابن ابي الحديد: 6 / 101.
[6] ظ: منهاج البراعة: 5 / 151.
[7] ظ: لسان العرب: مادة (كيل): 5 / 3968.
[8] ظ: العين (مادة كيل): 5 / 406
[9] المطففين / 1 ـ 3.
[10] يوسف / 65.
[11] ظ: بصائر ذوي التمييز في لطائف كتاب الله العزيز: الدامغاني: 4 / 404.
[12]لمزيد من الاطلاع ينظر: المعجم الاقتصادي في نهج البلاغة، للدكتورة سحر ناجي المشهدي، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 51 –54.