من عوامل اصلاح الحاكم في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضوان الله عليه)

مقالات وبحوث

من عوامل اصلاح الحاكم في عهد الإمام علي (عليه السلام) لمالك الأشتر (رضوان الله عليه)

4K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 15-12-2021

بقلم: د. عبد الزهرة جاسم الخفاجي

الحمد لله حمد الشاكرين، والشكر لله شكر الذاكرين، والصلاة وأتم التسليم على خاتم النبيين محمد وآله الطيبين الطاهرين، وبعد.

وبعد:
لقد ورد في العهد الشريف الذي كتبه الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر رضوان الله عليه لما ولاه مصر جملة من العوامل التي تحدد صلاح الحاكم وللوصول إلى هذه العوامل لا بد لنا ابتداءً أن نمر على اللغة والاصطلاح لبيان معنى الصلاح

الصلاح لغة:
من المؤكد إنَّ الصلاح هو الأساس الذي يقوم عليه بناء المجتمع السليم وبغيره لا يمكن للحياة أنّ تستقيم؛ إذ لا يمكن للإنسان أن يعيش سعيداً في مجتمع يسوده الفساد وتكمن أهمية الصلاح في كونه «جامعاً لكل خير وله مراتب غير متناهية ومرتبة الكمال فيه مَرْتَبة عُليا ولذا طلبها الأنبياء[1]» [2]. ولذلك جاء تعريف الصلاح على أنه نقيض الفساد.
(صَلَحَ) «الصَّادُ وَاللَّامُ وَالْحَاءُ أَصْلٌ وَاحِدٌ يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ الْفَسَادِ. يُقَالُ: صَلُحَ الشَّيْءُ يَصْلُحُ صَلَاحًا»[3]. وقيل «الصَّلاَح: ضِدُّ الفَسَادِ»[4].  وقيل: «الاستقامة والسَّلامة من العيب»[5].

الصلاح اصطلاحًا:
«هو سلوك طريق الهدى. وقيل هو استقامة الحال على ما يدعو إليه العقل والشرع. والصالح القائم بما عليه من حقوق العباد وحقوق الله تعالى»[6]. وعرفه الالوسي قائلاً: «الصلاح هو عبارة عن الإتيان بما ينبغي، والتحرز عما لا ينبغي»[7].
الراعي: «الوالي.. وكل من ولي أمر قوم فهو راعيهم وهم رعيته»[8].
إنّ ما جاء في عهد الإمام علي (عليه السلام) الى مالك الأشتر (رضي الله عنه) يعكس رؤية الإمام علي (عليه السلام) في كيفية إدارة دفة الحكم، فالإمام (عليه السلام) يؤكد على أهمية البعد الشخصي والصفات الشخصية التي يجب أن تتوفر في من يتصدى للقيادة والتي تلعب دوراً أساسياً في نجاح القائد أو فشله ولذلك جاء العهد شاملا بكل ما يتعلق بمؤسسة الحكم مبتدئاً بتحديد مسؤولية الراعي ومبينا خطورة منصبه وما يتطلبه من خصائص لابدّ أن يتحلّى بها من يتصدى لمسؤولية هذه الوظيفة وإنَّ ضرورة هذه الخصائص تزداد كلّما كان المنصب مهماً. ولذلك فإن الإمام علياً (عليه السلام) كان يختار الرجلَ المناسب للمكان المناسب ولم يحدث أنّه اختار من ولاته من لا يمتلك المؤهلات الذاتية للحكم التي تحفظ له توازنه في إدارة ما أُوكل إليه من مهمة، كما جاء في قوله (عليه السلام): «إذا قَويَ الوالي في عمله حرَّكْته ولايته على حسب ما هو مركوز في طبعه من الخير والشر»[9].
وهذا ما كان يتمتع به مالك الأشتر (رضي الله عنه) على حد وصف الإمام علي (عليه السلام) قائلا له: «أما بعد، فانك مَنْ اسْتَظْهِرُ به على إقامة الدين وأقمعُ به نخوة الأثيم، وأسدُّ به ثغر المخوف»[10].
فولاّه مصر وقال له: «ليس لها غيرك، أُخرج رحمك اللَّه! فإني إن لم أوصك اكتفيت برأيك واستعن بالله عَلَى مَا أهمك، فاخلط الشدة باللين، وارفق مَا كَانَ الرفق أبلغ، واعتزم بالشدة حين لا يغني عنك إلا الشدة»[11] وحدد له مهام وظيفته في مصر «جباية خراجها، وجهاد عدوها، واستصلاح أهلها، وعمارة بلادها»[12].
وكان الإمام علي (عليه السلام) يرى أنّ عملية الإصلاح تكاملية بين الراعي والرعية: «فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلَّا بِصَلَاحِ الْوُلَاةِ وَلَا تَصْلُحُ الْوُلَاةُ إِلَّا بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ»[13]، وصلاح الوالي يبدأ من إصلاح ذاته , وعلى من يريد أنْ يتولى إدارة غيره أنْ يبدأ بإدارة نفسه كما جاء في قول الامام علي (عليه السلام): «مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ فَلْيَبْدَأْ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ وَ لْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ»[14].

وبهذا الإتجاه جاءت وصاياه وأوامره الى عماله والتي يهدف فيها إلى إصلاح نفس (الراعي) وقد تضمن عهده (عليه السلام) إلى مالك الأشتر (رضي الله عنه) توجيهات واضحة لبناء شخصية الوالي، فقد أمره فيها بأمور هي على ما يبدو أركان صلاح الراعي: «أمره بتقوى الله وإيثار طاعته، واتباع ما أمر به في كتابه: من فرائضه وسننه التي لا يسعد أحد إلا باتباعها، ولا يشقى إلا مع جحودها وإضاعتها، وأن ينصر الله سبحانه بقلبه ويده ولسانه، فإنه جلّ اسمه قد تكفل بنصر من نصره وإعزاز من أعزه. وأمره أن يكسر نفسه من الشهوات ويزعها عند الجمحات، فإن النفس أمارة بالسوء إلا ما رحم الله»[15].
والإمام علي (عليه السلام) عندما يأمر بذلك إنما يريد أن يُخضع - (ذات نفس) -ولاته إلى عملية إصلاح شامل لأنّ النفس هي الميدان الأول للإصلاح وبها يبدأ الإصلاح الحقيقي فالذي يقدر على إصلاح نفسه يكون على غيرها أقدر وفلاح العبد في الدنيا والآخرة مرتبط بصلاح نفسه فقد قال تعالى: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾[16].
وهكذا حدد الإمام علي (عليه السلام) أُسس صلاح الوالي: «أنْ يكون متقياً مطيعاً لله متبعاً لأوامره، ناصراً له تعالى، قامعاً شهوته عن الحرام مانعاً نفسه عن المعاصي»[17]. وسيتناولها البحث كما يأتي:[18].

الهوامش:
[1]  يُنظر الآيات: يوسف: 101، الشعراء: 83، النمل: 19، القصص:27، الصافات: 100.
[2]  الآلوسي، شهاب الدين السيد محمود (ت1270هـ) روح المعاني، تحقيق: علي عبد الباري عطية، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1- 1415هـ، 4/325.
[3]  أحمد بن فارس بن زكرياء القزويني الرازي، أبو الحسين (المتوفى: 395هـ) معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، بيروت - دار الفكر، 1979م، 3/303.
[4]  الجوهري، إسماعيل بن حماد (ت393هـ) تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، بيروت، دار العلم للملايين، ط2، 1979م , 1/383؛ الرازي، زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر (ت666هـ) مختار الصحاح، بيروت، مكتبة لبنان، 1989م، ص22؛ لسان العرب، 27/2479.
[5]  مجمع اللغة العربية، المعجم الوسيط، مكتبة الشروق الدولية، ط4، 2004م، ص520.
[6]  أبو البقاء، أيوب بن موسى الحسيني (ت 1094هـ) الكليات معجم في المصطلحات والفروق اللغوية، تحقيق: عدنان درويش - محمد المصري، بيروت - مؤسسة الرسالة، ص561؛ التهانوي، محمد بن علي ابن القاضي محمد (ت بعد 1158هـ) موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم، تحقيق: علي دحروج، بيروت - مكتبة لبنان ناشرون، ط1، 1996م، 2/1093.
[7]  روح المعاني 4/203.
[8]  لسان العرب 17/1677.
[9]  شرح نهج البلاغة، 20/269.
[10]  الغارات: 104، سفينة البحار: 4/384.
[11]  تاريخ الطبري، 5/95.
[12]  شرح نهج البلاغة، 17/30.
[13]  صبحي الصالح، نهج البلاغة، خطبة 216، ص333.
[14]  المصدر نفسه، حكمة 73، ص480.
[15]  شرح نهج البلاغة، 17/30.
[16]  الشمس: 7-10
[17]  الراوندي، سعيد بن هبة الله (ت573هـ) منهاج البراعة، تحقيق: عبد اللطيف الكوهكمري، قم – مطبعة الخيام، 1406 هـ، 3/169.
[18] لمزيد من الاطلاع ينظر: صلاح الراعي وإصلاح الرعية قراءة في عهد الإمام علي عليه السلام إلى مالك الأشتر رضوان الله عليه: للدكتور عبد الزهرة جاسم الخفاجي، ط: العتبة الحسينية المقدسة، مؤسسة علوم نهج البلاغة: ص 41 – 47.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2909 Seconds