بقلم: م. م. هدى ياسر سعدون
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين.
أما بعد:
جاءت تعاليم الإمام عليه السلام في غاية الأهمية لقائد الجيش وركز فيها بدقة واضحة، حيث قال لابنه محمد بن الحنفية لما أعطاه الراية:
«تَزُولُ الجِبَالُ وَلاَ تَزُلْ! عَضَّ عَلَى نَاجِذِكَ[1]،أَعِرِ اللهَ جُمجُمَتَكَ، تِدْ في الاْرْضِ قَدَمَكَ، ارْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى القَوْمِ، وَغُضَّ بَصَرَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللهِ سُبْحَانَهُ»[2].
على حين يذكر الإمام عليه السلام تعاليم الحرب للمقاتلة بقوله:
«مَعَاشِرَ الْمُسْلِمِينَ: اسْتَشْعِرُوا الْخَشْيَةَ، وَتَجَلْبَبُوا السَّكِينَةَ، وَعَضُّوا عَلَى النَّوَاجِذِ، فَإِنَّهُ أَنْبَى لِلْسُّيُوفِ عَنِ الْهَامِ، وَأَكْمِلُوا اللاَّمَةَ، وَقَلْقِلُوا السُّيُوفَ فِي أَغْمَادِهَا قَبْلَ سَلِّهَا، وَالْحَظُوا الْخَزْرَ، وَاطْعُنُوا الشَّزْرَ، وَنَافِحُوا بِالظُّبَا، وَصِلُوا السُّيُوفَ بَالْخُطَا، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ بِعَيْنِ اللهِ، وَمَعَ ابْنِ عَمِّ رَسُولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم، فَعَاوِدُوا الْكَرَّ، وَاسْتَحْيُوا مِنَ الْفَرِّ، فَإِنَّهُ عَارٌ فِي الاْعْقَابِ، وَنَارٌ يَوْمَ الْحِسَابِ، وَطِيبُوا عَنْ أَنْفُسِكُمْ نَفْساً، وَامْشُوا إِلَى الْمَوْتِ مَشْياً سُجُماً[3]، وَعَلَيْكُمْ بِهذَا السَّوَادِ الاَْعْظَمِ، وَالرِّوَاقِ المُطَنَّبِ، فَاضْرِبُوا ثَبَجَهُ، فإِنَّ الشَّيْطَانَ كَامِنٌ فِي كِسْرِهِ، قَدْ قَدَّمَ لِلْوَثْبَةِ يَداً، وَأَخَّرَ لِلنُّكُوصِ رِجْلاً; فَصَمْداً صَمْداً حَتَّى يَنْجَلِيَ لَكُمْ عَمُودُ الْحَقِّ وَأَنْتُمُ الاَْعْلَوْنَ وَاللهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ»[4].
وأوصى الإمام عليه السلام على أن يخرج قائد ميداني شجاع مع الجيش للقتال المحدود:
«ما بالكم لا سددتم لرشد، ولا هديتم لقصد أفي مثل هذا ينبغي لي أن أخرج؟! وإنما يخرج في مثل هذا رجل ممن أرضاه من شجعانكم وذوي بأسكم ولا ينبغي لي أن أدع الجند والمصر وبيت المال وجباية الأرض والقضاء بين المسلمين والنظر في حقوق المطالبين ثم أخرج في كتيبة أتبع أخرى، أتقلقل القدح في الجفير الفارغ، وإنما أنا قطب الرحا، تدور علي وأنا بمكاني فإذا فارقته استحار مدارها واضطرب ثفالها، هذا لعمر الله الرأي السوء!»[5].
ومن كلام له عليه السلام حيث قال في ساحة الحرب وفيه يشير الى فنون القتال وتعاليمه للجيش:
«وأي أمرئ منكم أحسن من نفسه رباطة جأش عند اللقاء، ورأى من أحد من إخوانه فشلاً فليذب عن أخيه بفضل نجدته التي فضّل بها عليه، كما يذب عن نفسه، فلو شاء الله يجعله مثله. إن الموت طالب حثيث لا يفوته المقيم ولا يعجزه الهارب، إن أكرم الموت القتل والذي نفس ابن أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة على الفراش»[6].
ثم يتابع الإمام عليه السلام:
«فقدموا الدارع وأخروا الحاسر وعضوا على الأضراس فإنه أنبى للسيوف عن الهام والتورا في أطراف الرماح فإنه أموَرُ للأسنّة وغضّوا الأبصار فإنه أربط للجأش وأسكن للقلوب، وأميتوا الأصوات فإنه أطرد للفشل، ورايتكم فلا تميلوها ولا تُخِلّوها ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم والمانعين الذمار منكم فإن الصابرين على نزول الحقائق هم الذين يحفون براياتهم ويكتنفونها حِفافيها ووراءها وأمامها لا يتأخرون عنها فيسلموها، ولا يتقدمون عليها فيفردوها أجزَأ امرؤ قرنه وآسى أخاه بنفسه ولم يكل قرنه الى أخيه فيجتمع عليه قرنه وقرن أخيه، وايم الله لئن فررتم من سيف العاجلة لا تسلموا من سيف الآخرة وانتم لهاميم العرب والسنام الأعظم، إن في الفرار موجدة الله والذل اللازم والعار الباقي، وأن الفارّ لغير مزيد في عمره، ولا محجوزٍ بينه وبين يومه»[7].[8].
الهوامش:
[1] ابن ابي الحديد، خطبة (11)، 1/214.
[2] ناجذك: الناجذ، آخر الأضراس، وللإنسان أربعة نواجذ في أقصى الأسنان بعد الأرحاء ويسمى أضرس الحلم، لأنه ينبت بعد البلوغ ويقال: ضحك حتى بانت نواجذه، الجوهري، تاج اللغة، مادة (نجذ)، 2/571.
[3] سجماً : سجم الدمع سجوماً وسجاماً، سال وانسجم، وأرض مسجومة، أي مقطورة، الجوهري، تاج اللغة، مادة (سجم)، 5/1947.
[4] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، خطبة (64)، 5/513.
[5] ابن أبي الحديد، خطبة (17)، 1/356.
[6]المصدر نفسه، خطبة (95)، 5/409.
[7] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، خطبة (121)، 7/215.
[8] لمزيد من الاطلاع ينظر: الفكر الإداري عند الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة، هدى ياسر سعدون، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة، العتبة الحسينية المقدسة: ص 254-257.