بقلم السيد نبيل الحسني الكربلائي
الحمد لله على ما أنعم وله الشكر بما ألهم والثناء بما قدّم من عموم نِعَمٍ ابتدأها وسبوغ آلاء أسداها والصلاة والسلام على حبيبه المنتجب ورسوله المصطفى أبي القاسم محمد وعلى آله أساس الدين وعماد اليقين.
مثلما كان للزمان آثاراً كبيرة على تجلي مقاصدية منتج النص عليه السلام وتفاعل القرّاء والمتلقين له على مر الازمنة كذلك كان للمكان أثاره الخاصة على أعانة الباحث في الوصول الى مقاصدية أمير المؤمنين عليه السلام، فكانت هذه الأثار على النحو الآتي:
1- إنّ أول ما يمكن ملاحظته بعناية هي تلك الحكمة الكبيرة التي تعامل معها الإمام علي (عليه السلام) مع رسول معاوية، أي: أبو مسلم الخولاني، وأن الذي يتضح من خلال سياق حديثه مع الإمام علي (عليه السلام) أنّه كان متأثراً ومتفاعلاً مع كتاب معاوية.
بمعنى: إن المقبولية لدى المتلقي الأول لكتاب معاوية كان أبو مسلم الخولاني، وأن المتلقي الثاني كان الإمام علي (عليه السلام).
إلا أن النص التاريخي يسجل ملاحظاته حول المقبولية عند المتلقي الأول والثاني وذلك ضمن النقاط الآتية:
أ- إنّ المتلقي الأول، أي أبو مسلم الخولاني كان متفاعلاً الى حد كبير مع كتاب معاوية وذلك من خلال حديثه مع الإمام علي (عليه السلام) قائلاً له فيما يخص أمر عثمان بن عفان:
(إنّ عثمان قتل مسلماً محرماً مظلوماً، فادفع إلينا قتلته وأنت أميرنا، فإن خالفك من الناس أحد كانت أيدينا لك ناصرة...).
فهنا بدى واضحاً أنه متأثر بكلام معاوية ومؤمن بأحقيته في المطالبة لقتلة عثمان، وهو مع هذا يقر للإمام علي (عليه السلام) بالإمرة، أي: الى هذه اللحظة كان الإمام علي (عليه السلام) أميره.
ب- أما المقبولية عند المتلقي الثاني، أي الامام علي (عليه السلام) فقد كانت تكشف عن الهدوء والسكينة والتعامل بحكمة دقيقة مع الكتاب ومع الرسول فأجله الى اليوم التالي.
2- إنّ اجتماع شيعة الكوفة على أمر واحد وقد لبسوا السلاح ودخلوا مسجد الكوفة في اليوم التالي من قدوم أبي مسلم الخولاني ليأخذ جواب كتاب معاوية وصياحهم بوجهه:
(كلنا قتل ابن عفان) له أثاره الكبيرة في مضاعفة قناعة الخولاني بعدم الحصول على رجل واحد من أهل هذا المكان، وهم أهل الكوفة.
ومن ثم: يلزم من معاوية مقاتلة أهل الكوفة جميعاً أو مقاتلة من حضر مسجد الكوفة، وهم شيعة علي (عليه السلام) من الصحابة البدريين والشجريين وقد كانوا بالمئات ، ومن ثم فأيهم يريد معاوية أن يقتل وهذا حالهم ، وكلهم ناقم على ابن عفان؟!.
3- في محاولته الأخيرة أراد أبو مسلم الخولاني تضعيف شيعة علي (عليه السلام) ودفع أمير المؤمنين (عليه السلام) الى انتزاع قتلة عثمان من بين هؤلاء ولو بالاختيار من بينهم، لاسيما والكل هنا ينادي بقتله، فضلاً عن ضنه ، أي معاوية بأنه يستطيع أن يثير حفيظة الإمام علي (عليه السلام) حينما يقول له:
(قد رأيت قوماً مالك معهم أمر).
بمعنى: إنك أمير ضعيف ليس لك كلمة أو أمر على هؤلاء القوم؛ ومن ثم: يلزم أن يؤثر ذلك في هيبة السلطان أو الأمير فينتفض ويظهر لهذا المتكلم عكس ما يدّعي.
إلاّ أنه تفاجئ بِرد حازم قلب كل هذه الاحتيالات والخداع ؛ فهذا علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو أبن أبيه وناصر أخيه النبي صلى الله عليه وآله الذي لا ترعده صناديد الكفر والشرك ، ولذا: كان رده صاعقاً، فقال عليه السلام :
«والله ما أردت أن أدفعهم إليك طرفة عين، لقد ضربت هذا الأمر أنفه وعينه ما رأيته ينبغي لي أن أدفعهم إليك، ولا إلى غيرك».
4- بعد هذا الجواب بدا أن الإمام علي (عليه السلام) لا يؤخذ من حين غرة ولا ينخدع، وأنه وهؤلاء الذين ينادي (كلنا قتلنا ابن عفان) على عزيمة واحدة في قتال معاوية، فخرج أبو مسلم الخولاني من الكوفة وهو يقول:
(الأن طاب الضراب).
أي: خرج من الكوفة بعقيدة جديدة، وهي مقاتلة علي (عليه السلام) وشيعته.
وهو بعد لا يدري ماذا جاء في جواب الإمام علي (عليه السلام) من مقاصد وحقائق، وهو ما سنعرض له في المسألة القادمة حاصرين البحث فيما يتعلق بالدراسة وهو قوله (عليه السلام):
«ومنّا خير نساء العالمين ومِنكم حمّالة الحطب»[1].
الهوامش:
[1] لمزيد من الإطلاع، ينظر: فاطمة في نهج البلاغة، السيد نبيل الحسني، ج5 ص156-157 ط درا الوارث، العتبة الحسينية المقدسة 2016م.