الادارة المالية عند الإمام علي (عليه السلام): وصاياه لعمال الخراج

مقالات وبحوث

الادارة المالية عند الإمام علي (عليه السلام): وصاياه لعمال الخراج

2K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 06-06-2022

بقلم: م. م. هدى ياسر سعدون

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين.

أما بعد:
يضع أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام القوانين في الإدارة المالية للولاة لا سيما في عهده لمالك الأشتر رحمه الله فيبين له أهمية مراعاة ظروف الرعية (الفلاحين) التي تعتريها في أثناء زراعة الأرض وذلك عند فرض الخراج (الضرائب) مختصاً بحالات طارئة قد حددها الإمام عليه السلام بما يأتي:

أولًا: أكد الإمام عليه السلام ان هذا العمل أمانة في عنق العامل ويجب عليه المحافظة عليها وأن ينظر الأوامر من الوالي ولا يجازف كون هذا المال مال الله وعليه أن يسلمه حتى يوضع في بيت المال:
«وإِنّ عملك ليْس لك بِطُعْمة، ولكِنّهُ فِي عُنُقِك أمانةٌ، وأنْت مُسْترْعىً لِمنْ فوْقك، ليْس لك أنْ تفتات فِي رعِيّة، ولا تُخاطِر إِلاّ بِوثِيقة، وفي يديْك مالٌ مِنْ مالِ اللهِ عزّ وجلّ، وأنْت مِنْ خُزّانِهِ حتّى تُسلِّمهُ إِليّ، ولعلِّي لاّ أكُون شرّ وُلاتِك لك، والسّلامُ» [1].

ثانيًا: حذرهم من العسف وأمرهم بالعدل مع الرعية إذ يقول لأحد عماله:
«اسْتَعْمِلِ الْعَدْلَ واحْذَرِ الْعَسْفَ [2]والْحَيْفَ [3] فَإِنَّ الْعَسْفَ يَعُودُ بِالْجَلاءِ والْحَيْفَ يَدْعُو إِلَى السَّيْفِ»[4].

ثالثًا: ثم يصف الإمام عليه السلام عمل الخراج الذي يقوم به العامل حيث إنه عمل يسير في أدائه، عظيم في فائدته، كبير في ثوابه، ولكنه مع ذلك لم يسمح لعماله وجباته، أن يحصل على الحق من المكلفين لدفعه بالشدة والجبر بل يجب أن يكون بالقناعة. وبهذا فإن الإمام عليه السلام قد أقر قاعدة الجوار مع الآخر، بعيداً عن التسلط وذلك للحفاظ على كرامة الإنسان وعدم ضياع أمواله:
«واعْلمُوا أنّ ما كُلِّفْتُمْ يسِيرٌ، وأنّ ثوابهُ كثِيرٌ، ولوْ لمْ يكُنْ فِيما نهى اللهُ عنْهُ مِن الْبغْيِ والْعُدْوانِ عِقابٌ يُخافُ لكان فِي ثوابِ اجْتِنابِهِ ما لا عُذْر فِي ترْكِ طلبِهِ»[5].

رابعًا: التعامل الإنساني مع المكلفين لدفع الخراج، فقد أوصى الإمام عليه السلام عمّاله ان ينصفوا الناس من أنفسهم، أي لا يقصروا اتجاه حقوقهم أو في خدمتهم كذلك عليهم أن يسمعوا ويصبروا ويقضوا حوائجهم، على حين يذكرهم الإمام بمنزلتهم حيث إنكم وكلاء وسفراء للأئمة:
«فأنْصِفُوا النّاس مِنْ أنْفُسِكُمْ، واصْبِرُوا لِحوائِجِهِمْ، فإِنّكُمْ خُزّانُ الرّعِيّةِ، ووُكلاءُ الاُْمّةِ، وسُفراءُ الاْئِمّةِ..»[6].

خامسًا: نهاهم عن الأساليب الإدارية التسلطية وإجبار المكلفين (أهل الخراج) على دفع أموال الخراج في وقت لا يستطيعون دفعها، كأن يكون قبل جني ثمارهم ومحاصيلهم مثلاً مما يضطرهم إلى بيع كسوتهم (سواء كانت في الصيف أو الشتاء) أو بيع دوابهم التي يعملون عليها مما له الأثر السلبي في نفوسهم وكذلك على عملية الإنتاج:
«ولا تحْسِمُوا[7] أحداً عنْ حاجتِهِ، ولا تحَبِسُوهُ عنْ طلِبتِهِ، ولا تبِيعُنّ لِلنّاسِ فِي الْخراجِ كِسْوة شِتاء ولا صيْف، ولا دابّةً يعْتمِلُون عليْها، ولا عبداً»[8].
–فيما قال رجل من ثقيف: «استعملني علي بن أبي طالب عليه السلام على عكبراء[9] فقال لي–وَأَهْلُ الأَرْضِ معي يسمعون:
«انْظُرْ أَنْ تَسْتَوْفِيَ مَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْخَرَاجِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُرَخِّصَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ، وَإِيَّاكَ أَنْ يَرَوْا مِنْكَ ضَعْفًا، ثُمَّ قَالَ: رُحْ إِلَيَّ عِنْدَ الظُّهْرِ، فَرُحْتُ إِلَيْهِ عِنْدَ الظُّهْرِ، فَقَالَ لِي: إِنَّمَا أَوْصَيْتُكَ بِالَّذِي أَوْصَيْتُكَ بِهِ قُدَّامَ أَهْلِ عَمَلِكَ لأَنَّهُمْ قَوْمُ خِدَعٍ، انْظُرْ إِذَا قَدِمْتَ عَلَيْهِمْ فَلا تَبِيعَنَّ لَهُمْ كِسْوَةَ شِتَاءٍ وَلا صَيْفٍ، وَلا رِزْقًا يَأْكُلُونَهُ، وَلا دَابَّةً يَعْمَلُونَ عَلَيْهَا، وَلا تَضْرِبَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ سَوْطًا وَاحِدًا فِي دِرْهَمٍ، وَلا تُقِمْهُ عَلَى رِجْلِهِ فِي طَلَبِ دِرْهَمٍ، وَلا تَبِعْ لأَحَدٍ مِنْهُمْ عَرَضًا فِي شَيْءٍ مِنَ الْخَرَاجِ، فَإِنَّا إِنَّمَا أُمِرْنَا أَنْ نَأْخُذَ مِنْهُمُ الْعَفْوَ»[10].
أما ابن أبي الحديد فيقول إن الإمام عليه السلام نهاهم أن يبيعوا لأرباب الخراج ما هو من ضرورياتهم كثياب أبدانهم وكدابةٍ يعملون عليها، نحو بقر الفلاحة، وكعبد لابد للإنسان منه يخدمه، ويسعى بين يديه[11].
نستشف من ذلك أن الإمام عليه السلام قد نبّه على موضوعات مهمة في عصرنا الحاضر (الضرائب) فيجب أن تؤخذ في الوقت الملائم للمكلف: أي عند امتلاكه الأموال الكافية.

سادساً: على عامل الخراج أن يحترم حقوق المكلفين وان لا يلجأ إلى العنف:
«ولا تضْرِبُنّ أحداً سوْطاً لِمكانِ دِرْهم [12]..»[13].
وقد أشار المعتزلي في أثناء شرحه لهذا الكلام بقوله «ثم نهاهم عن ضرب الأبشار[14] لاستيفاء الخراج»[15].

سابعاً: على العامل أن لا يمس مال أحد من المسلمين أو المعاهدين (المكلفين) باستثناء حالة واحدة وهي وجود فرس أو سلاح، أو (أموال) بحوزة الخارجين على الإسلام التي يستعدون بها على أهل الإسلام، فإنه لا ينبغي للمسلم أن يدع ذلك في أيدي أعداء الإسلام فيكون شوكة عليه، إذ يقول:
«ولا تمسُّنّ مال أحد مِن النّاسِ، مُصلٍّ ولا مُعاهد[16]،إِلاّ أنْ تجِدُوا فرساً أوْ سِلاحاً يُعْدى بِهِ على أهْلِ الاْسْلامِ»[17].

ثامناً: أكد الإمام عليه السلام لعماله بعدم ادخار أية نصيحة يمكن أن تنفع المسلمين بحجة تأخيرها لوقت الحاجة:
«ولا تدّخِرُوا أنْفُسكُمْ نصِيحةً، ولا الْجُنْد حُسْن سِيرة، ولا الرّعِيّة معُونةً، ولا دِين اللهِ قُوّةً»[18].

تاسعاً: اشترط عليهم أن يصطنعوا من المعروف في سبيل الله ما استوجب عليهم إذ يقول لهم علينا ان نشكر الله بجهدنا وان ننصره ما بلغت قوتنا:
«وأبْلُوا[19] فِي سبيلِ اللهِ ما اسْتوْجب عليْكُمْ، فإِنّ الله سُبْحانهُ قدِ اصْطنع عِنْدنا وعِنْدكُمْ أنْ نشْكُرهُ بِجُهْدِنا، وأنْ ننْصُرهُ بِما بلغتْ قُوّتُنا، ولا قُوّة إِلاّ بِاللهِ العلي العظيم»[20]) [21].

الهوامش:
[1] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، (5) 15/44.
[2] العسف: عسفاً إذا خبطه في إبقاء طلبته، ومازلت أعسف طبيعتكم أي أتردد في أشغالكم وما يصلحكم، الزمخشري، أساس البلاغة، مادة (عسف)، ص422.
[3]الحيف: تحيفت الشيء، وتحيفتهم السنة وتقول: من كان فيه الجنف والحيف، حق الشنق والسيف؛ الزمخشري، أساس البلاغة، مادة (حيف)، ص146.
[4] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 4/109.
[5] المصدر نفسه، كتاب (51) 17/17.
[6] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، (51) 17/17.
[7] تحسموا: جاءت هكذا عند الشريف الرضيّ بمعنى (لا تقطعوا)، (51)، 3/122، فيما أوردها ابن أبي الحديد (تحشموا) أي: يحشم بني فلان أي يغضبهم وهو أن يجلس إليك الرجل فتؤدبه وتسمعه ما يكره، ابن زكريا، مجمل اللغة، مادة (حشم)، 2/235،
[8] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة (51)، 17/17.
[9] عكبراء: وهو اسم بليدة من نواحي دجيل قرب صريفين وأوانا بينها وبين بغداد عشرة فراسخ والنسبة اليهما عكبري، الحموي، معجم البلدان، 4/142.
[10] الخراج، ص17-18. وأرى ان الكلام قريب بما جاء في النهج.
[11] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17/18.
[12] سأل نصراني الإمام علياً عليه السلام عن تسمية الدرهم، فأجابه: وإنما سمي الدرهم درهماً؛ لأن دار همّ من جمعه، ولم ينفقه في طاعة الله فأورثه النار...»، الصدوق، علل الشرائع، 1/49.
[13] المصدر السابق، (51) 17/17.
[14] الأبشار: يقال أبشرت الأرض إذا أخرجت نباتها، وبشرت الأديم إذ قشرت وجهه، ابن زكريا، مجمل اللغة، مادة (بشر)، 1/126.
[15] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 17/18.
[16] المعاهد: المعهد المنزل إذا كان مثابة والعهدة، وثيقة المتابعين، ابن زكريا، مجمل اللغة، مادة (عهد)، 3/634.
[17] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، (51)، 17/17.
[18] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، (51)، 17/17.
[19] ابلوه: بلى بلد السفير وبلي إذا بلاه التعب وبلوته اختبرته، ابن زكريا، مجمل اللغة، مادة (بلو)، 1/133.
[20] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، (51)، 17/17.
[21] لمزيد من الاطلاع ينظر: الفكر الإداري عند الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة، هدى ياسر سعدون، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة، العتبة الحسينية المقدسة: ص 288-293.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.2798 Seconds