بقلم م. م. الشيخ محسن الخزاعي- جامعة الكوفة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين أبي القاسم محمد وآله الطيبين الطاهرين أساس الدين وعماد اليقين.
أما بعد:
توصل بعض المفسرين إلى معرفة بعض أحوال الأنبياء من خلال الاعتماد على ما جاء من بيان الإمام علي (عليه السلام ) بشأنهم، ففي تفسيره لقوله تعالى: Pوَعَاداً وَثَمُودَا وَأَصحاَب الرّس وَقُرُونَا بَينَ ذَلِك كَثِيراًO([1])، قال السيد الطباطبائي: الرس البئر التي لم تطو ذكروا أنَّهم كانوا قوماً بعد ثمود نازلين على بئر أرسل الله إليهم رسولاً فكذبوا به فأهلكهم الله، وقيل هو اسم نهر كانوا على شاطئه وفي روايات الشيعة ما يؤيد ذلك ([2]).
من تلك الروايات ما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام حديث طويل يذكر فيه قصة أصحاب الرس، ملخصه أنَّهم كانوا قوماً يعبدون شجرة صنوبرة على شفير عين وكان لهم اثنتا عشرة قرية معمورة على شاطئ نهر يقال له الرس وقد غرسوا في كل قرية منها من طلع تلك الصنوبرة حبة، أجروا عليها نهراً من العين التي عند الصنوبرة، وحرّموا شرب مائها على أنفسهم وأنعامهم وقد جعلوا في كل شهر من السنة يوماً في كل قرية عيداً يخرجون فيه إلى الصنوبرة التي خارج القرية يقربون إليها القرابين ويذبحون الذبائح ولما طال منهم الكفر بالله وعبادة الشجرة بعث الله إليهم رسولاً من بني إسرائيل فدعاهم إلى عبادة الله وترك الشرك فلم يؤمنوا فدعا على الشجرة فيبست فلما رأوا ذلك ساءهم فاجتمعت آراؤهم على قتله فحفروا بئراً عميقاً وألقوه فيها وشدوا رأسها فلم يزالوا عليها يسمعون أنينه حتى مات فأتبعهم الله بعذاب شديد أهلكهم عن آخرهم([3]).
هذا ما نقله بعض مفسري الإمامية في تفسير هذه الآية، ومن بينهم السيد الطباطبائي معضداً ما قاله بما ورد في نهج البلاغة، من قوله عليه السلام: ((أين أصحاب مدائن الرس الذين قتلوا النبيين وأطفئوا سنن المرسلين وأحيوا سنن الجبارين))([4]).
وأفاد صاحب تفسير الأمثل من خطبة الإمام عليه السلام أنًّهم كان لهم أكثر من نبي لأنَّ عبارة قتلوا النبيين تشعر بذلك، قال: ومن عبارة نهج البلاغة يستفاد أنَّه كان لهم أكثر من نبيّ واحد فقط، لأنّه عليه السلام يقول: أين أصحاب مدائن الرس الذين قتلوا النبيّين، وأطفئوا سنن المرسلين، وأحيوا سنن الجبارين ([5]) ـ الخطبة ـ.
وفي تفسير قوله تعالى: Pفَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَO([6])، قال السيد الطباطبائي: نسبة العقر إلى الجمع ولم يعقرها إلا واحد منهم لرضاهم بفعله، وفي نهج البلاغة، (أيها الناس إنما يجمع الناس الرضا والسخط وإنما عقر ناقة ثمود رجلٌ واحدٌ فعمهم الله بالعذاب لما عموه بالرضا فقال سبحانه: Pفَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَO ([7]).
وكما نرى فقد أفاد المفسر هذا القيد من كلام الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة، إذ لا يخفى على كل من انعم النظر اتكاء المفسر على نص النهج آخذاً منه ما يقوي حجته في تفسير الآية[8].
الهوامش:
([1]) الفرقان، 38.
([2]) الميزان، 15/176.
([3]) ظ: علل الشرائع، الشيخ الصدوق، (ت381هـ)، تحقيق: السيد محمد صادق بحر العلوم، منشورات المكتبة الحيدرية ومطبعتها، النجف الأشرف، 1385هـ ـ 1966م، 1/41، ظ: البحار، 14/149.
([4]) نهج البلاغة، 2/ 107.
([5]) الأمثل، 11/260.
([6]) الشعراء، 157.
([7]) الميزان، 15، 246، ونهج البلاغة، 2/181.
([8] )لمزيد من الاطلاع ينظر: أثر نهج البلاغة في تفاسير الإمامية، الشيخ محسن الخزاعي، طبعة مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة: ص 148-151.