من كلام الإمام علي (عليه السلام) في كتب غريب الحديث قوله عليه السلام: ((أصْغَتْ لاسْتراقِها صَمَائِخ الأسْماع))

مقالات وبحوث

من كلام الإمام علي (عليه السلام) في كتب غريب الحديث قوله عليه السلام: ((أصْغَتْ لاسْتراقِها صَمَائِخ الأسْماع))

3K مشاهدة | تم اضافته بتاريخ 01-08-2022

بقلم: الباحثة زهراء حسين جعفر

الحمدُ لله الذي جعل الحمد مفتاحاً لذكره، وسببا للمزيد من فضله، ودليلا على آلائه وعظمته، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالضياء، وقدمه في الاصطفاء، وجعله خاتم الأنبياء صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين.

أما بعد:
قال أمير المؤمنين عليه السلام في وصف قدرة الخالق وعمله  بقوله(عليه السلام): (( أصْغَتْ لاسْتراقِها صَمَائِخ الأسْماع))[1].
المفردة الصرفية الغريبة التي تلفت انظارنا في كلامه(صمائخ) جمع (صماخ)، كما ورد في اللغة الصَماخ: خرق الأذن إلى الدماغ، والسماخ: لغة فيه[2]، ويُقال له: (( أَصْلٌ وَاحِدٌ وَكَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهُوَ الصِّمَاخ: خَرْق الْأُذُنِ))[3]، وقال ابن منظور: (صَمَخَه  يصمُخُه صَمْخًا: أَصاب صِمَاخَهُ. وَصَمَخْتُ فُلَانًا إِذا عَقَرْتَ صِمَاخَ أُذنه بِعُودٍ أَو غَيْرِه))[4].

وأمَّا في كتب غريب الحديث فقد وردت لفظة(صمائخ) مِنَ الأُذن للدلالة على الخرق الْبَاطِن الَّذِي يُفضي إِلى الرأْس[5]  وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ: الْمِسْمَع بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَأَمَّا الْمَسْمَع بِفَتْحِ الْمِيمِ، فَهُوَ الْمَكَانُ كقولنا: هُوَ مِنِّي بِمَرْأَى وَمَسْمَعِ[6]، و(الصمائخ) جمع (صماخ) على وزن (فعائل)؛ لأَنَّها بمَنزِلة شِمال وشَمائل فِي الزِّنة[7]، وَيُقَالُ: (( إِن الصِّمَاخَ هُوَ الأُذن نَفْسُهَا))[8]  ولكنَ الصِّمَاخ هُوَجزء من الأُذن[9]، إذ يتكون جهاز السمع -الذي منحنا الله -تبارك وتعالى - من الاذنين ولكل أذن ثلاثة أجزاء [10] وقد صورها الله بإبداعٍ وحكمةٍ لا تتجلى إلاّ له –سبحانه-، وقديماً حاول أصحاب المعجمات وكتب خلق الإنسان اكتشاف أسرار هذه الأذن وما فيها، لكنهم لم يتعدوا الوصف الظاهري لها وفاتهم أنّ أمير المؤمنين قد جاء بسبق علمي في زمانه لا يضاهيه أحد عندما عبّر عن الأذن بغير لفظها بقوله (عليه السلام): (( اعْجَبُوا لِهذَا الإْنسَانِ يَنْظُرُ بِشَحْم، وَيَتَكَلَّمُ بِلَحْم، وَيَسْمَعُ بِعَظْم، وَيَتَنَفَّسُ مِنْ خَرْم))[11] فعظام الأذن الثلاثة أحد أجزاء الأذن الوسطى وظيفتها نقل الأصوات إلى الأذن الداخلية[12].

يتضح في ضوء ذلك أنّ الإمام(عليه السلام) قد اختط مساراً دقيقاً في التعرف على هذا العالم مرورا بمعرفة الإنسان بعبارات رائعة، فقوله(عليه السلام): وأصغت، أي: تسمعت ومالت نحوه، وقوله(صَمَائِخ الأسْماع)،أي، خروقها التي يتسمع بها[13]. وقد اكتسبت الكلمة معناها في تركيبها مع مفردة الاسماع، وإلاّ فالكلمة بمفردها تدل على عظام الاذن فحسب، بل إنَّ معناها يتحدّد ببحثها مع أقرب الكلمات إليها في مجموعة واحدة[14].  
فالإمام (عليه السلام) أثرى اللغة العربية بلفظته الصرفية الغريبة وهذا يبتُّ في كون هذا التصريف لم يقع عليه أهل اللغة والمعجمات بإضافتها الى  الجمع ((الصُّمْخُ، وَالْأَصْمِخَةُ))[15].
وهناك الكثير من الالفاظ والتراكيب التي وردت في كتب غريب الحديث بعضها بدلالتها المعجمية وبعضها الآخر بدلالتها المجازية الاستعارية والكنائية، فلا يسع البحث تناولها: منها على سبيل المثال لا الحصر: (بلابل الصدر) [16]، و(حيازيمك)[17]، و(مزققا)[18]، و(مندحق البطن)[19]، و(الحظوا الشزر)[20]، و(عيني دميغ)[21]،و(أصمع)[22]،و(حمش الساقين)[23]،، و(وجبة قلبه ورجَّة صدره)[24]، و(ولقلبهِ وجيب)[25]و(قَاسَ العَيْن بِبَيْضَة)[26]....)[27].

الهوامش:
[1] النهاية في غريب الحديث والاثر: 3/53، ورد في نهج البلاغة قوله(عليه السلام)( ما أصغت لاستراقه صمائخ الاسماع) ابن ابي الحديد: 7/22، وذكر ابن منظور الحديث: (أَصختُ لِاسْتِرَاقِ صَمَائِخِ الأَسماع).3/35، و(الاستراق)، من اسْتَرق السمْعَ أَيِ استَرَق مُستخفِياً، أَيْ سِمَعَ مُسْتَخْفِيًا. (ينظر: مختار الصحاح: (سرق)146، ولسان العرب: (سرق)10/150).
[2] ينظر: العين،(صمخ)4/192، قال ابن منظور: (وبالصاد لغة تميم). لسان العرب: (صمخ)4/35. 
[3] مقاييس اللغة: (صمخ)3/309.
[4] لسان العرب: (صمخ) 4/34.
[5] ينظر: الدلائل في غريب الحديث: 2/632، والنهاية في غريب الحديث والأثر: 4/53، ولسان العرب: (صمخ)،4/34-35)، والقناة الموصلة إلى الطبلة في الاذن تسمى الصماخ..معجم لغة الفقهاء: 1/176.يلحظ أنّ الصماخ له أثر بارز في السمع.
[6] ينظر: الدلائل في غريب الحديث: 2/632.
[7] ينظر: المخصص: 4/272، والنهاية في غريب الحديث والاثر: 3/53، ولسان العرب: (صمخ) 4/34.
[8] لسان العرب: (صمخ) 4/34، تاج العروس: (صمخ)7/293.
[9] ذكر السرقسطي ( أَنَّ رَجُلًا قَالَ: رَأَيْتُ عَلِيًّا مَسَحَ أُذُنَيْهِ، قِيلَ: فَهَلْ رَأَيْتَهُ مَسَحَ أَصْمَاخَهُ؟ قَالَ: لَا ). الدلائل في غريب الحديث: 2/632.
[10] ينظر: خلق الإنسان بين الطب والقران: 243.
[11] نهج البلاغة بشرح ابن أبي الحديد: 18/103.        
[12] ينظر: اطلس جسم الانسان: د. احمد الخزاعي: 40-41.
[13] ينظر: نفحات الولاية: 4/107.
[14] ينظر: أصول تراثية في علم اللغة، كريم زكي حسام الدين: 294.
[15] الدلائل في غريب الحديث: 2/632.
[16] الدلائل في غريب الحديث: 2/619.
[17] غريب الحديث: الحربي: 2/476، الدلائل في غريب الحديث: 2/615، النهاية في غريب الحديث والأثر: 1/467.
[18] غريب الحديث: الخطابي: 2/78، النهاية في غريب الحديث والأثر: 2/306.
[19] النهاية في غريب الحديث والأثر: 2/105.
[20] غريب الحديث: ابن قتيبة: 2/126، الفائق في غريب الحديث: 2/126، غريب الحديث: ابن الجوزي: 1/538، النهاية في غريب الحديث والأثر: 2/470.
[21] النهاية في غريب الحديث والأثر: 2/133.
[22] غريب الحديث: ابن سلام: 3/454، الفائق في غريب الحديث: 2/299،، النهاية: 1/440.
[23] غريب الحديث: ابن سلام: 3/454، النهاية في غريب الحديث والأثر: 1/440.
[24] النهاية في غريب الحديث والأثر: 2/198، وينظر: غريب الحديث في بحار الانوار: 4/107.
[25] غريب الحديث في بحار الانوار: 4/107.
[26] غريب الحديث: ابن الجوزي: 2/141، النهاية في غريب الحديث والأثر: 3/333.
[27] مزيد من الاطلاع ينظر: كلام الإمام علي عليه السلام في كتب غريب الحديث/ دراسة في ضوء نظرية الحقول الدلالية، تأليف زهراء حسين جعفر، ط1، مؤسسة علوم نهج البلاغة في العتبة الحسينية المقدسة، ص 82-85.

المقالة السابقة المقالة التالية
ادارة الموقع

ادارة الموقع

Execution Time: 0.3118 Seconds